مشهد واحد كان كفيلًا بأن يحوّل ليلة انتصار ليفربول على برايتون إلى فيلم درامي غامض.. محمد صلاح يقف أمام مدرج الكوب الشهير، يطيل النظر للجماهير، ويصفق بحرارة غير معتادة، ليعقب ذلك نشر فيديو يوثق تلك اللحظة عبر منصة إكس دون أي تعليق.
هل كانت تلك تحية إلى اللقاء قبل السفر إلى المغرب لخوض غمار أمم إفريقيا؟ أو أنها تلويحة الوداع الأخير قبل التوجه إلى الرياض أو جدة؟ هذا الفيديو، بالتزامن مع توقيت السفر للمعسكر ومع الأنباء المتواترة عن توتر العلاقة مع المدرب آرني سلوت، فتح الباب أمام ثلاثة سيناريوهات تنتظر الملك المصري فور عودته في فبراير.
هذا هو السيناريو الكابوس لعشاق الريدز، ولكنه الأكثر منطقية في نظر العديد من المحللين المتشائمين. لغة جسد صلاح في الفيديو، ونظرات عينيه وهو يجول ببصره في أرجاء الملعب، كانت تحمل طابع الوداع.
يستند هذا السيناريو إلى فرضية تراكم الأزمات. فصلاح ليس باللاعب الذي يعتاد الجلوس على مقاعد البدلاء، واستبعاده من مواجهة إنتر ثم جلوسه احتياطيًّا أمام برايتون (رغم نزوله وقلبه لموازين المباراة)، كل ذلك يشير إلى أن الكيمياء بينه وبين سلوت مفقودة.
ومع استمرار التقارير التي تربطه بعروض سعودية فلكية في يناير، قد يشعر صلاح بأنه قد ختم اللعبة في إنجلترا، خاصة بعد تحطيمه لرقم واين روني ليصبح الأكثر مساهمة تهديفية لنادٍ واحد.
إنه يرحل وهو في القمة، تاركًا الفريق منتصرًا، وهو التوقيت المثالي للرقصة الأخيرة والخروج من الباب الكبير قبل تفاقم الأزمات.
يفترض هذا السيناريو أن صلاح أذكى من أن يغادر في منتصف الموسم ويترك فريقه وأنه يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح في حربه الباردة مع الإدارة والمدرب.
يدرك صلاح جيدًا مكانته في قلوب جماهير الأنفيلد، ويعلم أن آرني سلوت لا يزال يبني رصيده لديهم. هذا الفيديو بمثابة رسالة للإدارة مفادها: "أنا الملك هنا، والجمهور ظهيري".
يمارس صلاح ضغطًا ذكيًّا ليضمن مكانه الأساسي فور عودته من أمم إفريقيا، قاطعًا الطريق أمام أي سيناريو للتهميش.
إنه يقول بطريقة غير مباشرة: "أي مساس بمكانتي سيقابله غضب جماهيري عارم". هذا ليس وداعًا، بل هو استعراض قوة وتأكيد أن صلاح رقم صعب لا يمكن تجاوزه.
هو السيناريو الأكثر هدوءًا، والأقرب للواقع بالنظر لتاريخ تصرفات صلاح. النجم المصري يستعد لقيادة منتخب بلاده في بطولة قارية هامة بالمغرب، وسيبتعد عن ليفربول لفترة قد تمتد لشهر (في حال وصول مصر للنهائي).
من الطبيعي جدًّا للاعب بحجم وارتباط صلاح بالجماهير أن يودعهم قبل فترة غياب طويلة كهذه. الصحافة الإنجليزية بطبعها تميل للمبالغة والدراما، وتفسير كل إيماءة.
والدليل على ذلك لقطة صلاح الضاحكة مع الصحفيين في الممر المختلط حين قال: "أتحدث مرتين في أسبوع واحد؟ لا".
تلك الابتسامة لم تكن ابتسامة لاعب مضغوط يخطط للهروب، بل ابتسامة واثق ومركّز. هذا السيناريو يؤكد أن صلاح سيعود لليفربول في فبراير، وسيكمل عقده على الأقل لنهاية الموسم وأن كل ما يدور حاليًّا مجرد تضخيم لحدث روتيني يتكرر كل عامين مع البطولة الإفريقية.
الخلاصة:
بين دموع الوداع المحتملة، ودهاء صلاح في استخدام منصاته الرقمية، ومبالغات الصحافة، تظل الحقيقة المؤكدة الوحيدة أن ليفربول سيواجه اختبارًا عسيرًا في غياب صلاح خلال يناير.
أما الإجابة النهائية، فلن نعرفها إلا بانتهاء سوق الانتقالات الشتوية، أو حين نرى صلاح بقميص ليفربول مجددًا بعد العودة من أمم إفريقيا وحتى تلك اللحظة.. ستظل الرسالة مشفرة.