رغم وعود الشركات التقنية الكبرى بحماية خصوصية المستخدمين، يكشف الواقع أن المعركة بين حماية البيانات ومحاولة الحصول عليها لا تزال مشتعلة.
وأحدث فصول تلك المعركة بدأ مع إعادة "غوغل" إحياء تقنية تعرف باسم "البصمة الرقمية"، وهي وسيلة تتبع صامتة تتجاوز قدرة المستخدم على المراقبة أو الإيقاف.
تختلف "البصمة الرقمية" عن ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز"، فبينما يمكن للمستخدم مسح الأخيرة أو حجبها، تُنشئ "البصمة الرقمية" هوية فريدة لكل جهاز عبر تجميع بيانات متفرقة مثل عنوان الـ"IP"، ونوع الهاتف ونظام التشغيل، وإعدادات الوقت والمكان، وحتى تفاصيل صغيرة من تهيئة المتصفح.
وهذه الأجزاء الصغيرة، رغم أنها عديمة القيمة منفردة، تشكل معاً بطاقة تعريف دقيقة يستحيل، تقريباً، التخلص منها، وكما يقول خبراء الأمن السيبراني، إن "البصمة الرقمية" هي مثل الظل، ترافقك أينما ذهبت على الإنترنت، حتى لو حاولت التخفي.
والمفارقة أن "غوغل" نفسها كانت قد وصفت هذه الممارسة بأنها خاطئة، وتتعارض مع حق المستخدم في الاختيار، قبل أن تعود هذا العام لتستخدمها مجدداً.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التحول يعكس ضغط سوق الإعلانات الرقمية، حيثُ تمثل البيانات الشخصية الوقود الأساس لمنظومة الأرباح.
في المقابل، تسعى شركة "أبل" إلى التصدي لهذه التقنية عبر نظام "iOS 26"، فقد أضافت خياراً جديداً في متصفح "سفاري" يسمى الحماية المتقدمة من التتبع و"البصمات الرقمية".
وتعمل تلك الميزة على تشويش محاولات التتبع، إذ تضخ بيانات مضللة تربك الشركات الساعية إلى تمييز جهازك عن مئات الملايين من الأجهزة الأخرى، ورغم أن هذا الحل ليس كاملاً، إلا أنه يتيح للمستخدمين استعادة جزء من السيطرة على بياناتهم.
ولا تقتصر "البصمة الرقمية" على الهواتف، فقد أكدت تقارير حديثة أن هذه التقنية بدأت تُستخدم في أجهزة التلفاز الذكية، ومنصات الألعاب، وحتى الحواسيب الشخصية.
ويُعني ذلك أن التتبع لم يعد محصوراً في جهاز واحد، بل أصبح شبكة مترابطة تلاحق المستخدم في كل تفاصيل حياته الرقمية.
ولتجنب ذلك، المستخدمون مدعوون، اليوم، إلى تفعيل خاصية الحماية في "سفاري" فوراً، مع إدراك أن المعركة مع التتبع الخفي أوسع من مجرد إعداد على الهاتف، بل إنها صراع مستمر بين حق الأفراد في الخصوصية، ورغبة الشركات في تحويل كل نقرة وكل حركة إلى بيانات قابلة للبيع.