logo
العالم
خاص

انتخابات مبكرة بلا حريات.. قيرغيزستان على عتبة "انتكاسة ديمقراطية"

رئيس قيرغيزستان صدير جاباروفالمصدر: ا ف ب

مع انطلاق البرلمان القيرغيزي المنتخب حديثاً أشغاله بحر الأسبوع الجاري، تزداد التَّساؤلات العميقة حول مُستقبل العملية السياسية في البلد المنهَك جرّاء مُسلسل الثورات والاحتجاجات الشعبية، وبفعل الانحسار المتواصل لمنسوب الحريات الفردية والجماعية في دولة كانت تنعت بالأمس القريب بـ"جنة الديمقراطية" في آسيا الوسطى.  

ويُعدُّ هذا البرلمان، والذي بدأت أشغاله، يوم الأربعاء الماضي، نتاج انتخابات تشريعية مبكرة أجريت نهاية الشهر الماضي، وأسفرت عن مشهد برلمانيّ موالٍ بصفة كاملة للرّئيس صدير جاباروف

فشل كافة المترشحين المستقلين

وأظهرت النتائج النهائية، فشل كافة المترشحين المستقلين المعارضين لجاباروف في الوصول إلى سدّة البرلمان، في مقابل اكتساح المترشحين الموالين له لمقاعد القبة التشريعية والتي تقلص عدد مقاعدها من 120 إلى 90 بمقتضى دستور 2021.

وتنافس مئات المترشحين على المقاعد التسعين للبرلمان ذي الغرفة الواحدة والمعروف محلياً بـ"زوغوركو كينيش".

وتؤكّد الهيئات الانتخابية في البلاد، انتخاب 87 نائباً، من جملة 30 دائرة انتخابية ذات 3 مقاعد برلمانية لكل دائرة، وقد ألغيت نتائج دائرة انتخابية واحدة فقط بسبب تجاوزات وانتهاكات خطيرة، على أن تُجرى دورة اقتراعية خاصة بها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك حتى يكتمل عدد المشرّعين نصاب التّسعين.  

واعترفت لجنة الانتخابات المركزية في قيرغيزستان بضعف نسبة المشاركة،إذ لم تتجاوز نسبة 37%، مؤكدة في نفس السياق حصول تجاوزات في بعض الدوائر الانتخابية.

أخبار ذات علاقة

رئيس قيرغيزستان يطلب من أمريكا عدم التدخل في شؤون بلاده

من جهتهم، اعتبر مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أنّ الحريات الأساسية التي يحميها الدستور الجديد كانت مقيدة بشكل متزايد في الممارسة الانتخابية.

وتتقاطع تصريحات المراقبين الأوروبيين مع تأكيدات وسائل إعلامية محلية ودولية واكبت الحدث الانتخابي بأنّ الانتخابات المبكرة كانت مملة، وشهدت شبه مقاطعة شعبية ونتائجها كانت معروفة سلفا.

انتكاسة ديمقراطية

وفي نفس السياق التشكيكي في نجاعة المسار الانتخابي في البلاد، يعتبر الخبراء في الانتقال الديمقراطي أنّ قيرغيزستان تعرف، حالياً، انتكاسة ديمقراطية خطيرة، وأنّ نموذج الاستثناء الديمقراطي في آسيا الوسطى بات، قاب قوسين أو أدنى، من التّلاشي والاضمحلال.

ويرى الخبراء أنّ تغيير الملمح الدستوري للمشهد السياسي في البلاد، من خلال دستور 2021، أحدث منعرجاً في المجال السياسي، وفي منظومة الحُكم، حيث باتت كافة الصلاحيات التنفيذية في يد رئيس الجمهورية.

إذ يحوّل دستور 2021، نظام قيرغيزستان من شبه برلماني، إلى رئاسي صرف، يمركز السلطات في يد رئيس الجمهورية الذّي يبت في مصير الحكومة والوزراء والوظائف العليا، وحتى المحكمة الدستورية التي تعد ضامنة الاستقلالية القانونية أصبحت في قبضته، حيث يُعيّنُ زاباروف كافّة أعضائها، بشكل يؤمّن سيطرته الفعلية والكاملة على المؤسسة القضائية العليا في البلاد.

وسحب دستور 2021 من البرلمان كافة صلاحيات عزل الوزراء ومحاسبتهم، وجعل الحكومة برمتها مسؤولة قصراً وحصراً أمام الرئيس زاباروف، الذي أحدث مجلساً محلياً يجمع القيادات المحلية من كافة محافظات قيرغيزستان.

ويؤكد خبراء الانتقال الديمقراطي أنّ الدستور الجديد (أي دستور 2021) نص على تأسيس مجلس "الكورتولاي" ما يمكن ترجمته بمجلس الشعب، وهو الذي يجمع ممثلين عن المجتمعات المحلية، غير أنه لا يتمتع بأية صلاحيات تشريعية أو تنفيذية.

ويضيفون أنّ للمجلس وظيفتين كبريين، الأولى أنّه يمنح لزباروف قناة تواصل مباشرة مع الشعب يتجاوز بها المؤسسات البرلمانية، والثانية أنّه أداة دعم مهمة جداً لقرارات الرئيس، حيث يمكنه توظيف توصيات "الكوتولاي" لمزيد الضغط على البرلمان والمحاكم، وإقالة المسؤولين.

أخبار ذات علاقة

جاباروف.. من السجن إلى رئاسة قرغيزستان‎

شعب منهك بفعل الثورات 

وفي سياق تفكيكهم لشخصية الرئيس، يشدد خبراء الانتقال الديمقراطي على أنّ زباروف استغل بشكل جيد، الإنهاك السياسي الذي حصل للشعب، بسبب الاضطرابات السياسية المتتالية، فالبلاد عرفت 3 ثورات سياسية وشعبية كبرى خلال عقدين فقط من الزمان السياسي، الأولى في مارس 2005، والثانية في أبريل2010، والثالثة في أكتوبر من العام 2020.

وهي ثورات جذّرت لدى قطاعات واسعة من الشعب القيرغيزي، قناعة ضرورة وجود سلطة سياسية موحدة، وذات قرار سياسي موحدّ، تنقذ البلاد من تشرذم سلطة القرار، ومن تناقضاته في بعض الأحيان.

ووفقاً لذات المراقبين، فإنّ زاباروف عكف على هندسة المشهد السياسي والقانوني والدستوري في قيرغزستان، وفق مبدأ تجميع السلطات ومركزتها ومنع تفتتها، ووفق خطاب التنمية الاقتصادية على حساب الحريات الفردية والجماعية، ووفق إعادة تأثيث العلاقات الجيوسياسية والاقتراب من روسيا، على حساب الأطلسي والغرب عموماً.  

وبمقتضى هذه الهندسة، لم تعد للأحزاب السياسية ولباقي الأجسام الوسيطة أدوار كبرى في الدولة، وأصبحت على هامش النظام السياسي الذي يقوم على ثنائيّة "الرّئيس الحاكم والشعب المؤمن به".

وعرفت قيرغيزستان، موجة غير مسبوقة من التضييق على المعارضين السياسيين، والصحفيين والأكاديميين المستقلين، حيث تم الزج بالكثير منهم في السجون، في حين وقع إبعاد البعض الآخر، الأمر الذي حوّل النموذج الديمقراطي الاستثنائي وسط آسيا، إلى دولة استبدادية خاضعة لحكم شعبويّ.

وخلال فترة الانتخابات البرلمانية، تم اعتقال 10 شخصيات معارضة على الأقل بعد اتهامهم بالتحريض على الاضطرابات الجماعية، وفق بلاغ وزارة الداخلية القرغيزية.

ومن المُعتقلين، نجل الرئيس السابق ألمازبك أتامباييف (الذّي حكم البلاد خلال الفترة الممتدة ما بين 2011 إلى 2017، ويعيش، حالياً، في إسبانيا)، وزوجته، والعديد من أفراد الطاقم الوزاريّ والاستشاريّ الذي اشتغل معه. 

أخبار ذات علاقة

أزمة في قيرغيزستان بعد فشل محاولة اعتقال الرئيس السابق 

العين على الانتخابات الرئاسية 2027 

وتشير المصادر المحلية في قيرغيزستان إلى أنّ زاباروف يطمح للفوز بالانتخابات الرئاسية في 2027، بعد "تجريف" كامل للمُنافسين، وأنّ الانتخابات البرلمانية ليست سوى بروفة لرئاسية 2027، حيث يسمح دستور 2021 لجاباروف بالحصول على ولاية رئاسية ثانية بـ5 سنوات كاملة، تكون متعاقبة مع الولاية الرئاسية الأولى.

ولا توجد أية ضمانة دستورية أو قانونية، تمنعه من تعديل دستوري جديد، لضمان الحصول على ولاية رئاسية أخرى بعد 2032. 

وفي كلمته أمام البرلمان المنتخب حديثاً، وجه جاباروف سهام انتقاداته اللاذعة للمعارضة وللحكومات السابقة، قائلاً: "إنّ أصل كلّ المشاكل التّي تعيق تنمية البلاد هو الانتخابات البرلمانية الغامضة، والفساد، والسعي إلى الوصول إلى السلطة من خلال الاتصال مع الخارج، والأهمّ من ذلك، يمكننا أن نقول إنّه تمّ القضاء على الفساد السياسي في النّظام الجديد"، وفق قوله. 

اقتراب من روسيا

حيال كل ماسبق، لا يخفي الرئيس زاباروف تبرّما واضحا من المنظمات الحقوقيّة الإقليميّة والدّوليّة، ومن المنظومة الأوروبية التّي تمثل رأس حربة الحرب ضدّ روسيا، حليفته المتميزة والمحورية.

وعرفت العلاقات القيرغيزية الروسية خلال عهد زاباروف طفرة سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة، إذ أصبحت قيرغيزستان عضوا رئيسيا في الهياكل الامنية والاقتصادية التي تقودها روسيا، حيث تستضيف بيشكيك قاعدة "كانت" الجوية الروسية، وهي منشأة عسكرية حيوية تابعة لقوات الفضاء الروسية.

أخبار ذات علاقة

قيرغيزستان تتسلم 99 طفلًا وامرأة من عوائل داعش في سوريا

كما أصبحت جزءا أساسيا من منظومة الدّفاع المشترك لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وهي منظمة يعتمد عليها زاباروف بشكل شبه كلي كضامن إقليمي للاستقرار في المناطق الحدودية المتنازع عليها مع طاجيكستان وفي الصراع التاريخي مع أفغانستان.

كما تحظى قيرغيزستان بمكانة ذات حظوة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة موسكو، بعد أن أصبحت بيشكيك تروج له كنموذج مالي واستثماري مهم لتعزيز الاقتصاد وتسهيل التجارة.

في هذا السياق الاقتصادي، تكشف مصادر إعلامية مطلعة عن تعويل الاقتصاد القيرغيزي بشكل كبير على تحويلات العمالة المهاجرة في روسيا، وهي تحويلات باتت تمثل نحو 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى الاعتماد شبه الكامل على الإمدادات الروسية للطاقة.

كل ما سبق، جعل "بيشكيك"، تحظى بمظلة روسية داعمة لسياساتها المحلية وللقبضة الحديدية التي بات نظام زاباروف يواجه بها خصومه السياسيين، ولجهوده المستمرة لتحويل قيرغيزستان لدولة رئاسية مطلقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC