logo
العالم

بريجانسون.. من حصن على المتوسط إلى غرفة عمليات دبلوماسية بعهد ماكرون

بريجانسون.. من حصن على المتوسط إلى غرفة عمليات دبلوماسية بعهد ماكرون
قلعة بريجانسونالمصدر: ويكيبيديا
15 أغسطس 2025، 6:23 م

قال خبراء سياسيون فرنسيون، إن قلعة بريجانسون، المقر الصيفي لرؤساء الجمهورية الفرنسية، لم تعد مجرد ملاذ للاستجمام، بل تحولت في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى منصة دبلوماسية فعّالة لإدارة الأزمات الدولية، خصوصًا خلال أشهر الصيف التي غالبًا ما تشهد تصاعدًا في التوترات العالمية.

إرث تاريخي ورمز سياسي

تعود القلعة إلى العصور الوسطى، حين كانت حصنًا دفاعيًّا يراقب السواحل الجنوبية لفرنسا.

وفي ستينيات القرن العشرين، وخلال حكم الجنرال شارل ديغول، تحولت رسميًّا إلى المقر الصيفي لرئيس الجمهورية الفرنسية. ومنذ ذلك الحين، استضافت القلعة لقاءات سياسية ودبلوماسية بارزة، وأصبحت رمزًا للقوة الناعمة الفرنسية، بحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية.

ماكرون والأزمات الصيفية

منذ انتقال ماكرون إلى بريجانسون هذا الصيف، لم يخل شهر أغسطس من نشاط سياسي مكثف؛ فقد أجرى اتصالات واجتماعات عبر الفيديو مع قادة أوروبيين ودوليين، من بينهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في محاولة لتعزيز الموقف الأوروبي قبل قمة مرتقبة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.

وقال مصدر من قصر الإليزيه إن "بريجانسون حصن دبلوماسي"، مؤكدًا أن تجهيزاته التقنية تتيح للرئيس إدارة ملفات حساسة من موقع هادئ، دون تعطيل الاتصالات أو التنسيق الدولي.

بعد رمزي للدبلوماسية الفرنسية

وفي هذا السياق، قالت أوديل جرويه، كبيرة الباحثين في معهد العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية (IRIS)، لموقع "إرم نيوز"، إن "استضافة القادة في بيئة هادئة مطلة على البحر المتوسط تضيف بعدًا رمزيًّا لقوة فرنسا الناعمة، وتُظهرها كوسيط راعٍ للدبلوماسية الهادئة في أزمات الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية".

وأشارت جرويه إلى أن قلعة بريجانسون تعود إلى العصور الوسطى، حين كانت موقعًا دفاعيًّا مهمًّا على شواطئ بريفيان، قبل أن تصبح في القرن العشرين رمزًا راسخًا للدولة خلال فترات التغيير الكبرى. كما أوضحت أن القلعة تحولت رسميًّا إلى مقر صيفي للرئيس في عهد ديغول، الذي، رغم انتقاده لها شخصيًّا، أدرك قيمتها كمنصة رمزية وملاذ دبلوماسي.

وأضافت: "استضافة الزعماء هناك لم تعد حدثًا عرضيًّا، بل أصبحت رمزًا لقوة فرنسا الناعمة. وهذا السياق يضيف بُعدًا سياسيًّا عميقًا لماكرون: فاللقاءات في بيئة مشمسة وهادئة عبر المتوسط تُظهر فرنسا كوسيط راعٍ للإشراق والدبلوماسية الهادئة".

وتابعت: "منذ عام 1968 استفادت الرئاسة الفرنسية من الرمزية التاريخية للقلعة، لكن ماكرون حوّلها أكثر إلى ساحة للعمل الدبلوماسي الفاعل. وهذا يستدعي النظر إليها كموقع رمزي لدبلوماسية القوة الناعمة".

وختمت بالقول: "في رأيي، لا يستعيد ماكرون القلعة فحسب، بل يعيد توظيفها كموقع مركزي لتوجيه الخطاب الأوروبي في مواجهة الحروب والنزاعات، عبر المزج بين الرمزية والعملية".

جسر بين التاريخ والدبلوماسية

من جانبه، وصف ثيودور لوروبي، الباحث في مركز الدراسات الأوروبية (CERAPS)، القلعة بأنها "جسر بين التاريخ والدبلوماسية"، موضحًا أن استخدامها كموقع للمحادثات الدولية "يكشف عن استراتيجية رمزية توصل رسالة مفادها أن فرنسا وأوروبا حاضرتان، عبر المزج بين الهدوء والقوة الرمزية".

ورأى لوروبي أن الخطوة التي يتخذها ماكرون باستخدام القلعة كأساس للمحادثات الدولية تعبّر عن "تحول في توظيف التاريخ العسكري المندثر إلى منصة تواصل عبر الزمن"، مضيفًا: "استضافة اللقاءات مع زعماء الشرق الأوسط أو قادة أوروبا الشرقية في أجواء غير متوترة يُضفي مصداقية على دوره كوسيط بعيد عن البيروقراطية".

وأشار الباحث السياسي إلى أن الدول الأوروبية تتسم غالبًا بـ"الركود في اللحظات الحرجة"، لكن الدبلوماسية الرمزية التي يُظهرها ماكرون في بريجانسون تُعد "خطوة ذكية"، مضيفًا: "الرسالة أن فرنسا وأوروبا لا تزالان حاضرتين، لكنهما تفعلان ذلك بالمزج بين الهدوء والقوة الرمزية. ماكرون لا يعيد بناء الحصون بالدبابات، بل يصور السياسة كفن لبناء رمزي".

حضور دبلوماسي رغم صيف الأزمات

وقالت صحيفة لوفيغارو، إن الرئيس الفرنسي، المقيم حاليًّا في بريجانسون بمنطقة "فار"، يسعى لإبراز صوت فرنسا وأوروبا في خضم الأزمات الدولية الممتدة من أوكرانيا إلى غزة وصولاً إلى الجزائر.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ماكرون: ترامب منفتح لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا

 ونقلت الصحيفة عن أحد المقربين من ماكرون قوله: "يُجري ماكرون المكالمات من بريجانسون، ويرسل الرسائل طيلة يومه"، مشيرًا إلى أن المقربين منه يشيدون بجدول أعماله الدبلوماسي المكثف، في وقت يغلب فيه الركود الصيفي على الساحة السياسية الفرنسية الداخلية.

وأضاف مستشار، مازحًا: "منذ أن بدأ الرئيس قضاء عطلته في بريجانسون، لم يخلُ أي شهر أغسطس من أزمة!"، مسترجعًا انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020، ثم الإجلاء الفوضوي من أفغانستان في صيف العام التالي.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC