لمدة 48 ساعة، بدا أن حركة طالبان تعيد عقارب الساعة إلى الوراء في أفغانستان، بتوجيهها قطع شبكات الإنترنت والهاتف، ما أدى إلى فصل ملايين الأشخاص عن العالم الخارجي.
وفقد الأفغان القدرة على الاتصال بأي شخص داخل حدودهم أو خارجها، ما أسفر عن إرسال موجات من الذعر في جميع أنحاء العالم، حيث أدركت الأسر والزملاء والأصدقاء أن أمة بأكملها قد أصبحت في الظلام، بحسب تقرير لشبكة "سي إن إن".
وتجمّدت الخدمات المصرفية، وتوقفت الأعمال التجارية، وتم إلغاء الرحلات الجوية من وإلى المطارات الرئيسة، وفشلت أسواق المال، كما فقدت الشركات ومنظمات الإغاثة الاتصال بالعملاء والموظفين.
وقال هيواد واتاندر، وهو صحفي في العاصمة كابول يستخدم اسماً مستعاراً لتجنب انتقام طالبان، إن "أعظم مصدر لليأس هو أن الناس يخشون أن تكون أفغانستان قد غرقت مرة أخرى في الصراع".
وجاء انقطاع الإنترنت غير المسبوق دون سابق إنذار عام، وتم نسبه على الفور إلى أمر من طالبان، وهو نظام قمعي خنق الحريات الشخصية، خاصة حريات النساء والفتيات، منذ توليه السلطة في العام 2021.
وقبل أسبوعين فقط، أعلن قادة طالبان في الشمال قطع الإنترنت عن عدة مقاطعات "لمنع الأنشطة غير الأخلاقية". وصرح حاجي زيد، المتحدث باسم حاكم ولاية بلخ الشمالية، بأنه "سيتم إنشاء نظام بديل داخل البلاد لتلبية الاحتياجات الأساسية".
وأضاف أن الأمر جاء من الزعيم الأعلى لطالبان مولوي هيبة الله أخوندزاده، وهو شخصية قوية ومنعزلة يصدر المراسيم من مدينة قندهار الجنوبية.
لم يُعلن عن سبب الإغلاق الوطني الذي بدأ بعد الساعة الخامسة مساءً بقليل يوم الاثنين. ولا عن إعادة الاتصال المفاجئة يوم الأربعاء، مما سمح للشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي بملء الفراغ.
بدأ الأفغان يشاركون الحزن العميق الذي شعروا به خلال الأيام القليلة الماضية، عندما أدركوا أنه لا توجد طريقة قانونية أو آمنة لإرسال الرسائل أو إخراجها.
بالنسبة للعديد من الناس، لم يتبين إلا، الآن، مدى السلطة التي يتمتع بها النظام لعزلهم في منازلهم، خاصة النساء، اللواتي يُمنعن من العمل والمدرسة وحتى بعض الأماكن العامة.
وبالنسبة لطالبان، ربما تحمل هذه الحلقة درساً مفاده أن محاولة إعادة الزمن إلى الوراء بالنسبة لشعب نشأ في ظل الإنترنت أصعب كثيراً من مجرد الضغط على مفتاح، بحسب "سي إن إن".
على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، صباح يوم الإثنين، تلقى دوغ مادوري، مدير تحليل الإنترنت في شركة كينتيك، المتخصصة في مراقبة الشبكات، رسالة من جهة اتصال تفيد بأن أفغانستان على وشك الانقطاع. وفي غضون ساعة، لاحظ انخفاضاً حاداً في الاتصال بالإنترنت.
وأفادت منظمة مراقبة الإنترنت "نت بلوكس" عن "انقطاع كامل للإنترنت" أثّر على نحو 43 مليون شخص.
وساد الصمت الأفغاني، النشط عادة على منصات التواصل الاجتماعي - فيسبوك، وإنستغرام، وإكس، وتيك توك. وظلت رسائل واتساب المرسلة من الخارج دون قراءة، كما انقطعت الاتصالات الهاتفية المحلية والدولية. ولم يُدلِ قادة طالبان بتصريح.
وقضى أفراد الشتات الأفغاني ساعات ولياليَ بلا نوم وهم يحاولون الاتصال وإرسال الرسائل النصية إلى أقاربهم وأصدقائهم وزملائهم في الوطن.
وقالت فاطمة يوسفي، لاعبة سابقة في فريق كرة القدم الوطني الأفغاني والتي فرت إلى أستراليا، إن عائلتها كانت تحاول الوصول إلى عمتها، وهي أم عزباء تعتمد على الأموال المرسلة من الخارج لإطعام أطفالها الأربعة.
وبالنسبة للعديد من الفتيات والنساء، أصبح الإنترنت هو الوسيلة الوحيدة للتواصل، وتحدي حظر طالبان للتعليم بعد الصف السادس.
يُعدّ الاتصال بالإنترنت أحد مقاييس تقدم أي بلد، وفي وقت سابق من هذا القرن، كانت الأمور تتجه نحو الأفضل في أفغانستان. كانت الأموال تتدفق، بينما سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إعادة بناء المجتمع المدني الذي دمّره حكم طالبان من العام 1996 إلى العام 2001، حتى مع استمرار القتال، وانعدام الأمن في اجتياح مساحات واسعة من البلاد.
وبعد 20 عاماً، وبعد أن استولت حركة طالبان على السلطة مرة أخرى في أعقاب الانسحاب الفوضوي للقوات الغربية في العام 2021، تساءل كثيرون إلى متى سيُسمح للإنترنت، و"بئر الرذيلة الهائلة" التي تحملها، بالبقاء.
لكن الأيام القليلة الماضية أظهرت أن أفغانستان بحاجة إلى الإنترنت.
أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى اضطراب شديد في الحياة اليومية، وفقًا لوكالة أنباء "تولو نيوز"، التي نشرت تحديثات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأظهرت صورٌ نُشرت على الإنترنت طوابير طويلة أمام البنوك بينما كان العملاء يحاولون سحب أموالهم. وتعطلت عمليات الدفع الإلكتروني، ولم تتمكن الشركات من التواصل مع الموردين أو الموظفين.