يكشف هجوم إيران الحاد، في الآونة الأخيرة، على المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى حد المطالبة بإعدامه، عن تعقيدات الوضع الإيراني في ملف المفاوضات.
وتتصل مواقف إيران من غروسي بتعقيدات تتعلق بعودتها إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، في وقت لا يدرك فيه الإيرانيون شكل المسارات التي سيتفاوض بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويعد رهن طهران عدم استمرار غروسي مقابل استمرار تعاونها مع الوكالة ورقة مراوغة بهدف التفاوض للحصول على مكاسب.
وتعالت أصوات في الداخل الإيراني بالهجوم على المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية واتهامه بالتواطؤ، في ظل دعوات أطلقت من مستويات عليا في طهران لتعليق التعامل نهائيا مع الوكالة طالما ظل غروسي في منصبه، وذلك في وقت تدور فيه اتصالات من أجل عودة جولات التفاوض بين طهران وواشنطن.
رسميا، نفت إيران مؤخرا توجيه أي تهديد لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها بعدما دعت صحيفة إيرانية موالية للمرشد الأعلى علي خامنئي إلى إعدام عروسي بوصفه جاسوسا.
وقال السفير الإيراني في الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، إنه لا يوجد أي تهديد لغروسي أو مفتشي الوكالة.
ونددت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في بيان مشترك، بتهديدات طهران لغروسي، بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية على منشآت نووية في إيران وإعلان الأخيرة تعليق التعاون مع الوكالة.
ويؤكد الخبير في الشأن الإيراني، هاشم سليمان، أن إيران لا تمتلك أدوات تجعلها ترهن استكمال تعاونها بتغيير مدير الوكالة غروسي، وأن ما تقوم به عبارة عن استعراض ملحمي أمام جمهورها بعد الحرب الأخيرة.
وأوضح سليمان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ما خرج من إيران نحو غروسي ما بين المجيء بغيره لاستمرارها في التعاون مع الوكالة ثم ما جاء بأصوات من داخل طهران تطالب بإعدامه عبارة عن رسالة تحشيد للداخل بعد تأثير الضربات التي وقعت عليها وتقديم طهران لجمهورها على أنها منتصرة في حرب الـ12 يوما.
وأضاف سليمان أن طهران تحاول الضغط في أي اتجاه في ظل الارتباك الداخلي في كيفية معاودة المفاوضات بالرغبة في التمسك بشروط لهم أمام الولايات المتحدة في وقت لا يدرك فيه الإيرانيون شكل المسارات التي سيتفاوض بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتزامن مع انخفاض نشاط التجهيز لاجتماعات وجولات جديدة والوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما يقلق طهران بأن يكون هناك شيء آخر جديد يجهز في الخفاء تجاهها.
وأفاد سليمان بأن ما تفعله إيران مع غروسي يُظهر أن هناك تخبطا داخليا؛ لأن الأمر ليس متعلقا فقط في أنها ترى أنه منحاز ضدها أو أنها لا ترغب في التعامل مع الوكالة في وجوده.
وأوضح أن ما يظهر من الارتباك والتخبط الإيراني في هذا التوقيت يعكس افتقاد طرق التخاطب والضغط والتفاوض الدولي وذلك عندما تخرج أصوات تطالب بإعدام غروسي؛ ما أثار فزع الأوروبيين من تعامل طهران مع مسؤول دولي بهذه الصيغة حتى لو كان ذلك من باب التصعيد الكلامي.
وبدوره، يقول الخبير الاستراتيجي، راغب رمالي، إن طهران تريد وضع مجموعة من التعقيدات أمام الخارج في الذهاب إلى مفاوضات أو حتى قيام الوكالة بدورها في الاطمئنان من أي تسرب إشعاعي قد يكون قد جرى عقب الضربة الأمريكية الأخيرة لمواقع نووية في إيران.
وقال رمالي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن طهران تعادي غروسي وتأخذه وسيلة لتعقيدات تقدمها وكأن الأزمة موجهه من جانبه وحلها معه، في حين أن جزءا كبيرا من المشكلة أساسه رفض طهران التعاون مع الوكالة وفي الوقت نفسه عدم الالتزام بترتيبات مسبقة أتمتها مع غروسي في إتمام زيارات لمواقع بالداخل وقامت بالتهرب منها؛ ما جعل الوكالة غير فعالة بامتلاك أية بيانات أو معلومات تتعامل بها.
وأشار رمالي إلى أن المعضلة حاضرة على جانب آخر بأن طهران وضعت غروسي والوكالة الدولية في خانة أنهم طرف مواجهة في حين أن الأزمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين قامتا بالضربات العسكرية على إيران مؤخرا.
وبحسب رمالي، فإنه على الرغم من أن ورقة غروسي مناسبة لمنهج إيران في المراوغة والمماطلة في التفاوض والمباحثات ووضع التعقيدات للحصول على المكاسب، فإنها قامت بـ"حرق" هذه الورقة مبكرا بطرحها في هذا التوقيت.
ولفت إلى أنه كان من الممكن لإيران أن تستخدم هذه الورقة بشكل جيد مع عقد المفاوضات المرتقبة، أما طرحها في هذا التوقيت فسيجعلها مستغلة وتفقد صلاحيتها لتحقيق أي نتيجة من ورائها.