logo
العالم

جدلية الرياضة والسياسة.. لماذا يتقرب رئيس الفيفا من ترامب؟

ترامب يتسلم جائزة فيفا للسلامالمصدر: رويترز

في مشهد غير مسبوق يختصر العلاقة الملتبسة بين الرياضة والسياسة، وقف جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، الجمعة الماضية، على خشبة مركز كينيدي في واشنطن، ليعلن عن أول "جائزة فيفا للسلام". 

أخبار ذات علاقة

ترامب وإنفانتينو في حفل قرعة كأس العالم 2026

"واضح أنها مدبرة".. هل تلاعب الفيفا بقرعة كأس العالم؟

الجائزة التي اختُرعت قبل خمسة أسابيع فقط، خُصصت حصريًا لرجل واحد، دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي يحلم منذ سنوات بنيل جائزة نوبل للسلام.

بعد ثلاثين دقيقة فقط من بداية حفل قرعة كأس العالم 2026، استدعى إنفانتينو الرئيس الأمريكي إلى المسرح، ليمنحه وسامًا لم يكن له وجود قبل شهر واحد. 

قال إنفانتينو بنبرة رسمية: "أنت تستحق بلا شك جائزة الفيفا الأولى للسلام لعملك ولما حققته"، بينما انتزع ترامب الشريط من يديه وعلّقه بنفسه حول عنقه، وقال: "هذا حقًا أحد أعظم الأوسمة في حياتي".

7 لقاءات في 11 شهرًا

هذا المشهد المسرحي ليس حدثًا معزولًا، كما تصفه مجلة "لوبوان" الفرنسية، بل هو تتويج لعلاقة وثيقة بشكل استثنائي بين رئيس أكبر منظمة رياضية في العالم والرئيس الأمريكي. 

منذ يناير كانون الثاني الماضي، التقى إنفانتينو بترامب سبع مرات، وهي وتيرة أكثر كثافة من لقاءاته مع أي زعيم دولة آخر.

المشهد الأول كان في حفل تنصيب ترامب في يناير، حيث حضر إنفانتينو الاحتفال بنفسه، ثم دعاه لتسليم ميداليات فريق تشيلسي خلال كأس العالم للأندية. وتبعه حتى إلى مصر في الخريف لحضور قمة أسفرت عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. بل إن إنفانتينو استأجر مكاتب في أحد أبراج الملياردير النيويوركي.

بين البيت الأبيض ومنتجع مارالاغو الفاخر المملوك لترامب، يتجول رئيس الفيفا بشكل دائم، وكأن الفيفا أصبح لها "ملحق رسمي" في واشنطن.

"إصلاح الفيفا"

المفارقة أن جياني إنفانتينو، الإيطالي-السويسري البالغ من العمر 55 عامًا، انتُخب العام 2016 لطي صفحة سيب بلاتر وإصلاح الفيفا بعد فضائح الفساد التي هزت المنظمة. وقتها، كان يجسد أملًا حقيقيًا في التغيير. 

أخبار ذات علاقة

جياني إنفانتينو مع ترامب الرئيس الأمريكي

مخالفة للائحة الأخلاقيات.. ترامب يضع إنفانتينو في ورطة كبرى

صحيح أنه وسّع البطولات، وعزز الاحتياطيات المالية للفيفا، وزاد مخصصات كرة القدم النسائية، لكنه في الوقت نفسه اقترب من الأنظمة "القوية"، وآخرها إدارة الرئيس الأمريكي، فكان إنفانتينو نفسه ينتقد تجاوزاته في الماضي.

"إنه عالم آخر. إنفانتينو مُنبهر بالدوائر النخبوية للسلطة والمكانة والثروة التي دُفع إليها"، كما يقول ديفيد غولدبلات، الكاتب البريطاني والأستاذ في كلية بيتزر، في حديث لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز". 

ويضيف أن رئيس الفيفا يخشى أن يُخرّب ترامب، المعروف بمزاجه المتقلب، كأس العالم. "الدول ورؤساؤها لم يكونوا يعملون بهذه الطريقة في السابق".

قرارات تُغيّر جغرافيا الرياضة

هذا الواقع الجديد يترجم نفسه إلى تصرفات ملموسة ومذهلة. أوضح مثال: نقل حفل قرعة كأس العالم. كان من المقرر إقامة الحفل في لاس فيغاس، لكن بقرار رئاسي واحد، انتقل إلى واشنطن، وتحديدًا إلى مركز كينيدي، المكان الذي يُقال إن ترامب يحلم بإعادة تسميته باسمه.

يوم الجمعة، خرقت الفيفا جميع تقاليدها بمنح "جائزة السلام" المرتجلة. وبحسب لوس أنجلوس تايمز، فإن "جائزة الفيفا للسلام" التي استُحدثت للتو، أُنشئت دون حتى استشارة مجلس الفيفا المكون من 37 عضوًا.

لماذا كل هذا الخضوع؟

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يبذل إنفانتينو كل هذا الجهد لإرضاء ترامب؟

الإجابة تكمن في مونديال 2026، الذي ستستضيفه الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. الفيفا تعلم أن نجاح هذه النسخة من المونديال - الأكبر في التاريخ بـ48 منتخبًا - يعتمد بشكل كبير على التعاون الأمريكي. 

أخبار ذات علاقة

جياني إنفانتينو مع ترامب الرئيس الأمريكي

لماذا حضر إنفانتينو قمة السلام في شرم الشيخ؟

وترامب، المعروف بسلوكه الانتقامي وقراراته المفاجئة، قادر على تعقيد الأمور إذا شعر بعدم الاحترام أو التقدير. من تأشيرات الدخول للفرق والجماهير، إلى الأمن والتنظيم اللوجستي، كل شيء يمر عبر البيت الأبيض.

إنفانتينو، الذي دُفع إلى دوائر النخبة العالمية، يبدو منشغلًا بفكرة إرضاء الرئيس الأمريكي. وفي سبيل ذلك، لا يتورع عن تحويل الفيفا من منظمة رياضية مستقلة إلى أداة دبلوماسية في خدمة السياسة الأمريكية.

من زيورخ إلى واشنطن

ما يحدث اليوم يثير تساؤلات جوهرية حول استقلالية الرياضة عن السياسة. الفيفا، التي طالما ادعت الحياد وعدم التدخل في الشؤون السياسية، أصبحت الآن أكثر انخراطًا في السياسة الأمريكية من أي وقت مضى.

جائزة مُختلقة في خمسة أسابيع، وقرعة منقولة بأمر رئاسي، ومكاتب مستأجرة في أبراج ترامب، وسبعة لقاءات في أقل من عام.. كل هذا يرسم صورة واضحة: الفيفا لم تعد في زيورخ فقط، بل أصبح لها "فرع" دائم في البيت الأبيض.

وبينما يُعلّق ترامب الميدالية بنفسه حول عنقه في مشهد يختصر العلاقة الجديدة بين الرياضة والسلطة، يبقى السؤال معلقًا: أين كرة القدم في كل هذا؟ وهل تحولت الفيفا فعليًا إلى مجرد أداة دبلوماسية في يد أقوى رجل في العالم؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC