logo
العالم

مصير ماكرون "على المحك".. أين تتجه احتجاجات الغضب في فرنسا؟

الشرطة الفرنسية خلال مواجهة أعمال العنف في باريسالمصدر: (أ ب)

قال خبراء سياسيون فرنسيون متخصصون في الحركات الاجتماعية، إن الاحتجاجات في فرنسا لم تعد مجرد رد فعل على سياسات اقتصادية أو إصلاحات محددة، بل تعبيرًا عن أزمة اجتماعية عميقة تتجاوز الحكومة الحالية لتطال شرعية النظام السياسي نفسه. 

ومع اقتراب موعد الإضراب الوطني يوم 18 سبتمبر/أيلول الجاري، تبقى فرنسا أمام منعطف خطير قد يعيد إلى الأذهان الأزمات الاجتماعية الكبرى في تاريخها المعاصر.

ولليوم الثاني على التوالي، تشهد فرنسا منذ 10 سبتمبر/أيلول موجة جديدة من الاحتجاجات، بدأت بمبادرة غير مركزية عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحت شعار "لنوقف كل شيء"، قبل أن تتحول سريعًا إلى حركة أوسع بدعم من النقابات العمالية الكبرى.

وبينما أسفرت التعبئة الأولى عن مشاركة نحو 200 ألف متظاهر، واعتقال أكثر من 540 شخصًا في مختلف أنحاء البلاد، يترقب الفرنسيون ما ستؤول إليه الدعوة إلى إضراب وطني شامل يوم 18 سبتمبر/أيلول، بمشاركة قطاعات حيوية كالنقل، الصحة، التعليم، الطاقة وحتى الصيدليات.

أخبار ذات علاقة

احتجاجات في فرنسا

احتجاجات فرنسا.. شرارة غضب تُنذر بمواجهة طويلة مع السلطة

 مدن على صفيح ساخن

ولم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة باريس، التي شهدت مواجهات عنيفة واعتقالات كثيفة، بل امتدت إلى مدن كبرى مثل ليون، رين، مرسيليا، نيس وأفينيون.

وفي مرسيليا وحدها نزل إلى الشوارع أكثر من 8 آلاف شخص، فيما شهدت نيس مشاركة 900 متظاهر.

وفي باريس، أُضرمت النيران وأقيمت حواجز في عدة أحياء، بينما تدخلت الشرطة لفتح الطرقات.

مطالب المحتجين

وتتمحور مطالب المحتجين حول رفض إجراءات التقشف التي اقترحها رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل فرانسوا بايرو، خصوصًا خفض الإنفاق العام وتقليص بعض المزايا الاجتماعية، إلى جانب التنديد بارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية.

وتضيف النقابات إلى ذلك مطالب بزيادة الأجور، حماية الخدمات العامة، والعدول عن أي مساس بالإجازات أو ساعات العمل، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.

لكن اللافت أن شعارات عديدة رُفعت ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، بعضها يطالبه بالاستقالة، ما يعكس فقدان الثقة المتزايد في السلطة المركزية، واستمرار صورة ماكرون كرمز للنخب المنفصلة عن هموم المواطنين.

هل تتوسع الاحتجاجات؟

يقول الباحث الفرنسي في علم الاجتماع السياسي بجامعة باريس 1، ميشال دوبوا، إن ما يحدث اليوم يشبه إلى حد كبير بدايات حركة "السترات الصفراء" عام 2018، لكنه يختلف عنها في أن هذه المرة النقابات دخلت على الخط مبكرًا، وهو ما يمنح الحركة زخمًا تنظيميًا أقوى.

وأضاف دوبوا، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن " الأزمة الاقتصادية أكثر عمقًا بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، ما يزيد احتمالات التصعيد".

وتابع: "إذا استمرت الحكومة في نهجها المتشدد، ورفضت فتح قنوات حوار واسعة، فإننا قد نكون أمام خريف اجتماعي طويل، وربما شتاء غاضب يعيد مشاهد الشلل العام التي عرفتها فرنسا في عقود سابقة".

 أزمة سياسية 

من جهته، قال الباحث الفرنسي المتخصص في علم الاجتماع الحضري وحركات الاحتجاج، ميشال كوكوريف، إن الحركة الحالية تحمل طابعًا سياسيًا واضحًا، إذ لم تعد تقتصر على رفض إصلاحات معينة، بل أصبحت تعبيرًا عن أزمة ثقة شاملة بين الشارع ومؤسسات الدولة.

وحذر كوكوريف من أن خطورة الوضع تكمن في أن الشعارات ضد ماكرون لم تعد حكرًا على المتطرفين، بل صارت تسمع في أوساط النقابات التقليدية وقطاعات شعبية واسعة.

وقال: "إذا استمر هذا المنحى، فقد يتحول الغضب الاجتماعي إلى أزمة شرعية تهدد بقاء ماكرون في موقعه السياسي".

يوم 18 سبتمبر 

والإضراب العام المرتقب يوم 18 سبتمبر/ أيلول سيكون بمثابة اختبار قوة حاسم بين الحكومة والحركة الاجتماعية، إذ يتوقع أن تشهد البلاد شللًا شبه كامل في النقل "SNCF"و"RATP"، الطيران، إلى جانب إغلاق الصيدليات، توقف بعض الخدمات الصحية، وإضراب في قطاع التعليم.

وأوضح كوكوريف أنه إذا نجحت هذه التعبئة في حشد أعداد أكبر من تلك التي شوهدت في 10 سبتمبر/ أيلول، فقد تتوسع رقعة الاحتجاجات لتشمل قطاعات إضافية كالموظفين العموميين وعمال البلديات، مما يرفع الضغط على حكومة سيباستيان لوكورنو الجديدة، ويضع الرئاسة في مواجهة أزمة اجتماعية سياسية مركبة.

أخبار ذات علاقة

سيباستيان ليكورنو

فرنسا.. 5 تحديات كبرى أمام رئيس الوزراء الجديد سيباستيان ليكورنو

 إلى أين تتجه فرنسا؟

ووفق كوكوريف، فإنه "في ظل هذا السياق المتوتر، يبدو أن فرنسا مقبلة على مرحلة اضطراب اجتماعي ممتد"، موضحًا أنه على المدى القصير، فإن الاحتجاجات ستستمر وتتوسع إذا لم تقدم الحكومة تنازلات ملموسة.

وبين أنه "على المدى المتوسط، فإن الخطر الأكبر يتمثل في تحولها إلى حركة عصيان مدني أوسع، تربط بين النقابات والاحتجاجات العفوية على غرار السترات الصفراء".

وأشار إلى أنه على المدى البعيد، "إذا استمر تصاعد الغضب الشعبي، قد يواجه الرئيس ماكرون سيناريوهات غير مسبوقة من الضغط الشعبي تصل إلى المطالبة بانتخابات مبكرة أو استقالة رمزية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC