في وقت لا تبعد فيه قاعدة باغرام الأفغانية سوى ساعة واحدة عن أماكن تصنيع الأسلحة النووية الصينية، بحسب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتعدد الإغراءات والأسباب التي تدفع الأخير للعودة إليها مجددا بأي وسيلة.
العديد من الأسباب تجعل ترامب لا يتوقف عن التفكير والحديث العلني في العودة إلى هذه القاعدة، من بينها موقعها كمنصة استراتيجية واستخدامها من جانب واشنطن كمركز استخبارات لمراقبة آسيا الوسطى وإيران وباكستان، والتمركز أمام بكين وموسكو، وتكون في الوقت نفسه بمثابة مفتاح للاستحواذ على المعادن الأرضية النادرة في عموم أفغانستان.
واعتبر خبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن عودة اسم باغرام إلى الساحة تعكس صراعا بين نهجين: نهج بايدن القائم على الانسحاب والانكفاء، ونهج ترامب الذي يريد إظهار أن القوة الأمريكية قادرة على العودة متى شاءت.
وكان ترامب وجّه مؤخرا تحذيرا لأفغانستان عبر منصته "تروث سوشال"، قال فيه إن أمورا سيئة ستحدث إذا لم تعد باغرام الجوية إلى من بناها، وهي الولايات المتحدة، موضحا أن بلاده تسعى لاستعادة السيطرة على القاعدة التي استعانت بها خلال حربها في أفغانستان، مشيرًا إلى وجود محادثات جارية بهذا الشأن مع الحكومة الأفغانية.
وقالت الخبيرة في الشؤون الآسيوية، الدكتورة تمارا برو، إنه لم تمضِ ساعات على إعلان الرئيس الأمريكي عن التوصل إلى اتفاق بخصوص تطبيق "تيك توك" مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد اتصال هاتفي جمعهما، حتى صرّح ترامب برغبته في استعادة باغرام، أكبر قاعدة عسكرية في أفغانستان، بحجة أنها لا تبعد سوى ساعة واحدة عن أماكن تصنيع الأسلحة النووية الصينية.
وأشارت برو في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن ترامب، منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، يسعى للسيطرة على كل شيء تقريبا، فقد سبق أن تحدث عن رغبته في السيطرة على غرينلاند وقناة بنما. ورغم أنه يسعى لإظهار علاقات جيدة مع بكين وامتدح الرئيس الصيني عدة مرات ودعا إلى علاقات طيبة، إلا أننا نراه في الوقت ذاته يدخل في منافسة مباشرة معها ويسعى إلى تقييد نفوذها في مختلف أنحاء العالم؛ فأينما وجد نفوذ صيني، نرى واشنطن تحاول السيطرة على الممرات أو القواعد القريبة من هذا النفوذ تحت ذرائع مختلفة.
وأضافت برو أن ترامب كان أشار خلال فترة ترشحه للانتخابات إلى أن قاعدة باغرام يوجد بها نفوذ صيني، وهو ما يفسر رغبته اليوم في استعادتها، لافتة إلى أنه كان من المستبعد تفكير الولايات المتحدة في العودة إلى هذه القاعدة رغم انسحابها منها، لكن يبدو أن ذلك سيحدث في مرحلة ما، نظرا لأهمية موقع أفغانستان الاستراتيجي واحتوائها على معادن أرضية نادرة.
وتابعت: "ترامب يركز اليوم بشكل كبير على المعادن الأرضية النادرة، وقد وقّع بالفعل اتفاقا مع باكستان لاستثمارها واستغلالها، في وقت تعتبر فيه أفغانستان غنية بهذه المعادن غير المستغلة؛ ما يجعلها مطمعا للولايات المتحدة، خاصة في ظل المنافسة مع الصين التي وقّعت بدورها عدة مشاريع مع حركة طالبان لاستخراج هذه المعادن".
وأوضحت الخبيرة في الشؤون الآسيوية أن ترامب أعلن رغبته في العودة إلى قاعدة باغرام، لكن حكومة طالبان رفضت ذلك بشكل قاطع. ومع ذلك، فإن إصرار ترامب قد يدفعه إلى التفاوض مع الحركة، وإذا لم توافق الأخيرة على عودة القوات الأمريكية، فمن المرجح أن يلجأ الرئيس الجمهوري إلى ممارسة ضغوط عليها، سواء عبر استخدام ورقة العقوبات المفروضة على الحركة، أو التلويح بالمساعدات العسكرية، أو الإغراء بشطب طالبان من قائمة الإرهاب والاعتراف بها رسميا مقابل استعادة السيطرة على قاعدة باغرام أو استغلال المعادن الأرضية النادرة.
وختمت برو بالقول: "في ظل الضغوط الأمريكية، قد تجد حركة طالبان نفسها مضطرة إلى القبول بعودة القوات الأمريكية إلى قاعدة باغرام، أو أن تطلب دعما من الصين. وهنا يبرز تساؤل حول مدى قدرة بكين على التفاوض مع واشنطن في هذا الملف، وهو ما قد يتحول إلى ورقة جديدة ضمن ملفات التفاوض بين البلدين. أما إذا أصرت طالبان على الرفض، فمن المحتمل أن يلجأ ترامب إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على أفغانستان، وفرض قيود إضافية على عدد من قادة الحركة".
بدوره، يؤكد الباحث الاستراتيجي هشام معتضد أن قاعدة باغرام ليست مجرد موقع عسكري، بل رمز سابق للوجود الأمريكي في أفغانستان، ومنصة استراتيجية تريدها واشنطن لتستطيع مراقبة آسيا الوسطى وإيران وباكستان، وأن عودتها إلى الواجهة اليوم تحمل دلالات أبعد من اعتبارها مجرد قاعدة مهجورة.
ويعتقد معتضد في حديثه لـ"إرم نيوز" أن ترامب يستخدم ورقة باغرام ليهاجم قرار الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بالانسحاب "الفوضوي"، مقدما نفسه للداخل كقائد لا يفرط في مصالح أمريكا، وهي أداة انتخابية قوية لشد عصب قاعدته على عدة مستويات.
أيضا من منظور التكتيك السياسي خارجيا، بحسب معتضد، فإن ذلك التهديد رسالة لحركة طالبان ولخصوم واشنطن في بكين وموسكو، مفادها أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعود في أي لحظة إذا اقتضت مصالحها الاستراتيجية، أي أنها أداة ردع أكثر من كونها خطة عسكرية آنية.
وبيّن الباحث الاستراتيجي أن القيمة الكبرى لقاعدة باغرام تكمن في كونها مركز استخبارات ومراقبة، خصوصا لمتابعة نشاط "داعش-خراسان"؛ ما يبرر إعادة طرحها اليوم في خطاب الأمن القومي الأمريكي. لكن عمليا، أي محاولة لاستعادة القاعدة ستواجه صعوبات هائلة، حيث إن طالبان تسيطر ميدانيا، والرأي العام الأمريكي لم يعد مستعدا لحرب جديدة في أفغانستان.
ورجّح معتضد أن تهديد ترامب بخصوص القاعدة أقرب إلى ورقة ضغط نفسية ورسالة انتخابية، أكثر من كونه مشروعا لعودة عسكرية كاملة، مبينا أن عودة اسم باغرام إلى الساحة هي انعكاس لصراع بين نهجين: نهج بايدن القائم على الانسحاب والانكفاء، ونهج ترامب الذي يريد إظهار أن القوة الأمريكية قادرة على العودة متى شاءت.