لم تعد الحرب الأوكرانية الروسية مجرد مواجهة بين جيشين، بل باتت معركة تختلط فيها الجنسيات والمهام، حيث تزداد المؤشرات على دخول مرتزقة أجانب من أمريكا اللاتينية والغرب إلى خطوط النار.
ويعكس هذا المشهد انتقال الصراع إلى مرحلة أكثر تعقيداً، حيث لا يقاتل الجنود دفاعاً عن وطنهم فحسب، بل تتداخل فيه شركات المقاولات العسكرية والأطراف الدولية الباحثة عن مكاسب استراتيجية.
وكشف تقرير استخباراتي روسي عن تعزيزات كولومبية وأمريكية على محاور سومي وخاركيف، مع إشارات متكررة لوجود بريطانيين وعناصر من دول البلطيق.
وأكد التقرير، أن تزايد دور المقاتلين الأجانب في أوكرانيا يرتبط بشكل مباشر بالعجز البشري لدى الجيش الأوكراني، الذي فقد أكثر من 1.7 مليون جندي بين قتيل ومفقود منذ بداية الحرب؛ ما أدى إلى تراجع فاعلية وحدات الخطوط الأمامية لتصل إلى نسبة لا تتجاوز 45%.
وبينما يزداد المشهد تعقيدا بقوة السلاح والخبرة الأجنبية، يبقى السؤال الأبرز، هل يحسم المرتزقة معركة تُختزل فيها سيادة أوكرانيا؟.

ويرى خبراء أن المرتزقة الأجانب، من كولومبيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول البلطيق وجورجيا، منخرطون في صفوف القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب في مواجهة مباشرة مع الجيش الروسي.
وأضافوا، أن روسيا باتت صاحبة اليد العليا في الميدان، وأن أي محاولات غربية لإطالة أمد الحرب عبر إرسال مزيد من المرتزقة أو الدعم العسكري لن تغير من مسار المواجهة، خاصة وأن التفوق الروسي أصبح واقعا ومعه أوراق ضغط سياسية واقتصادية تدعم موقع موسكو دوليًا، من خلال تحالفاتها مع قوى كبرى كالصين والهند.
ويرجح الخبراء أن مسار الحرب سينتهي بحسم روسي، وفي الوقت نفسه سيؤدي استمرار الدعم الغربي إلى إطالة معاناة المدنيين وتعقيد فرص التسوية السياسية.
وفي هذا الصدد يقول د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن المرتزقة كانوا موجودين منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومعظمهم من الفرنسيين والكولومبيين والبريطانيين والأمريكيين، بالإضافة إلى مقاتلين من دول البلطيق وجورجيا، وحتى مقاتلين شيشان تم نقلهم إلى هناك للمشاركة مع القوات الأوكرانية في الحرب ضد روسيا.
وأضاف في تصريح لـ«إرم نيوز»، أن هناك تقارير خاصة تشير إلى تكبد هؤلاء المرتزقة خسائر كبيرة، وأن روسيا تحرص من خلال استخباراتها العسكرية على الحصول على معلومات حول أماكن وجودهم، ففي العام 2022، تم القضاء على نحو 60 مرتزقًا فرنسيًا، إضافة إلى مرتزقة آخرين في كورسك، حيث قامت القوات الروسية بتصفيتهم.
وأكد الأفندي أن وجود المرتزقة لا يُحدث أي تغيير في المعادلة العسكرية، ولن يؤثر على تقدم القوات الروسية في مختلف جبهات القتال مع أوكرانيا، وذلك لآن المقاتل المرتزق لا يملك عقيدة قتالية؛ مما يجعله فريسة سهلة في المعارك.
وأوضح أن القوات الروسية تستهدف المرتزقة بشكل مباشر وتقوم بتصفيتهم، مشيرًا إلى وجود عناصر أجنبية أخرى ضمن صفوف الجيش الروسي تم تجنيدهم رسميًا تحت مظلة وزارة الدفاع الروسية، ومن بينهم متطوعون من دول عربية وأخرى مختلفة.
وتابع: «قوة المرتزقة لا تشكل سوى 1% إلى 2% من حجم الجيش النظامي، ولذلك لا تأثير لهم على الميدان، ودورهم يقتصر فقط على سد الثغرات كما هو الحال في أوكرانيا».
وأكد الخبير في الشؤون الروسية، أن عدد المقاتلين على الجبهتين الروسية والأوكرانية قد يصل إلى قرابة 2 مليون مقاتل حاليًا، بينما لا يتجاوز عدد المرتزقة 50,000، ما يعني أنهم لا يمثلون أي تأثير في ميزان القوى أو سير المعارك.
من جانبه، قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن روسيا ستتمكن من حسم المواجهة في أوكرانيا، مشيرا إلى أن المرتزقة كانوا حاضرين منذ بداية الصراع، سواء من بولندا أو غيرها، بالإضافة إلى مرتزقة أمريكيين وهولنديين وبريطانيين ومن جنسيات مختلفة.
وأشار في تصريح لـ«إرم نيوز» إلى إن المعركة محسومة لصالح روسيا، مهما أرسل الغرب من جيوش ومرتزقة، مؤكدا أن التفوق الميداني الروسي أصبح أمرا واقعا، وأن محاولات الغرب لإطالة أمد الحرب لن تنجح في تغيير مسارها أو نتائجها الاستراتيجية.
وأشار البني إلى ضرورة استثمار الحسم العسكري والسياسي، وهو ما يتم العمل عليه حاليا من خلال مبادرات دولية، من بينها المبادرة الأمريكية، لافتا إلى أن روسيا تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الحسم السياسي والعسكري والاقتصادي في آن واحد.
وأوضح المحلل السياسي، أن موسكو باتت تملك أوراق ضغط قوية على الساحة الدولية، ليس فقط من خلال تقدمها الميداني، بل عبر تحالفات استراتيجية مع قوى صاعدة مثل الصين والهند؛ ما يعزز من موقعها التفاوضي ويدفع نحو إعادة تشكيل موازين القوى عالميا.
وحذر من أن استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا سيطيل أمد النزاع ويعمق من معاناة المدنيين، مشيرا إلى أن تجاهل المعطيات الواقعية على الأرض سيجعل أي تسوية سياسية أكثر تعقيدا، في ظل تحولات كبرى يشهدها النظام الدولي وتراجع نفوذ القوى التقليدية أمام صعود أقطاب جديدة.