زيلينسكي: مباحثات "غير سهلة" ولكن "مثمرة" مع الأمريكيين في برلين

logo
العالم

من المنح إلى البيع.. عقيدة ترامب الجديدة في دعم أوكرانيا

قوات أوكرانية تتوجه إلى مقاطعة دونيتسك شرق البلادالمصدر: أ ف ب

تحول الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى نموذج تجاري يقوم على البيع لا المنح.

ففي خطوة مثيرة للجدل، أعلن البيت الأبيض مواصلة بيع الأسلحة لحلف شمال الأطلسي، ليتولى الحلف بدوره تمريرها إلى كييف، في إطار ما يمكن وصفه بـ"عقيدة ترامب" التي تضع المصالح المادية للولايات المتحدة فوق أي اعتبار جيوسياسي.

وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن الأسلحة لن تُرسل بالمجان بل ستُباع للناتو، ما يتيح لواشنطن الاستفادة ماديًا من الحرب المستمرة، بينما تتحمل الدول الأوروبية كلفة تسليح أوكرانيا.

وهذا التوجه لم يكن وليد اللحظة، إذ كشف ترامب في يوليو الماضي أنه توصل إلى اتفاق مع الناتو لإرسال الأسلحة مقابل دفع 100% من تكلفتها، مشدداً على أن الأسلحة تذهب إلى الناتو، ثم الناتو يسلّمها لأوكرانيا، والناتو هو من يدفع الثمن.

أخبار ذات علاقة

طائرة مُسيّرة أوكرانية

صفقة تاريخية بمليارات الدولارات.. أوكرانيا وأمريكا تُشعلان "ثورة الدرونز"

ووفقا للمراقبين، هذا التوجه يعني أن واشنطن لم تعد تُمول شحنات الأسلحة من ميزانية دافعي الضرائب كما في عهد بايدن، بل باتت تجني أرباحا من صفقات تشمل معدات متطورة مثل بطاريات "باتريوت" وذخائر 155 ملم، وصواريخ دقيقة التوجيه. 

وحصلت إدارة ترامب بالفعل على التزامات مالية من دول مثل هولندا والسويد والنرويج والدنمارك بأكثر من مليار دولار لشراء الأسلحة الأمريكية التي ستذهب إلى أوكرانيا.

ويشير المراقبون إلى أن هذه العقيدة الجديدة تجعل الناتو يتحول عملياً من مظلة أمنية إلى "قناة شراء" للسلاح الأمريكي، وهو ما قد يثير تساؤلات حول قدرة الحلف على الاستمرار في تمويل هذا النموذج على المدى الطويل، فضلاً عن انعكاساته على مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية. 

في المقابل، يشير مؤيدو النهج الترامبي إلى أن هذه السياسة تضع "أمريكا أولاً" بالفعل، إذ توفر أرباحًا مباشرة للولايات المتحدة وتخفف الأعباء عن الاقتصاد المحلي، مع إبقاء أوكرانيا مزودة بالسلاح.

وأكد خبراء أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتعامل مع الأزمة الأوكرانية - الروسية بعقلية تجارية أكثر من كونها سياسية، إذ تسعى واشنطن إلى تحقيق أقصى مكاسب استراتيجية واقتصادية عبر دفع أوروبا إلى خوض المواجهة المباشرة مع موسكو، وتكتفي هي بتزويد حلف شمال الأطلسي بالأسلحة والدعم. 

ورأى الخبراء في تصريحات خاصة لـ" إرم نيوز" أن الولايات المتحدة، في هذا السياق، تنتهج نهج "السلام بالقوة"، حيث تستخدم التصعيد العسكري والضغط الاقتصادي كوسيلة لفرض توازن يخدم مصالحها طويلة المدى.

وأضافوا أن هذه المقاربة الأمريكية تحوّل الحرب في أوكرانيا إلى ساحة لتوسيع نفوذ واشنطن داخل أوروبا وإنعاش صناعاتها العسكرية، وفي نفس الوقت يتحمل الأوروبيون التكلفة السياسية والاقتصادية والأمنية الباهظة للصراع. 

أخبار ذات علاقة

مقر الكونغرس الأمريكي

التلغراف: "الإغلاق الأمريكي" ينذر بتأخير تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا

وأشاروا إلى أن هذه السياسة تكشف عن «عقيدة» جديدة في إدارة الأزمات الدولية بمنطق التاجر الذي لا يخسر شيئًا دون مقابل، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من استمرار الحرب، حتى وإن كانت بعيدة عن ميادينها المباشرة.

وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية بمركز الدراسات العربية الأوراسية، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعامل مع الأزمة الأوكرانية الروسية بعقلية رجل الأعمال لا السياسي التقليدي، إذ يسعى إلى تحقيق أقصى فائدة استراتيجية واقتصادية للولايات المتحدة دون التورط المباشر في الحرب.

وأكد بريجع، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن ترامب يعمل على إقحام أوروبا في مواجهة مفتوحة مع روسيا، وتحافظ الولايات المتحدة على مسافة آمنة، وهي تزود الطرف الأوروبي بالأسلحة والدعم، وتستفيد اقتصاديًا من استمرار الصراع.

وأشار إلى أن هذا النهج الأمريكي ينعكس بوضوح في إدارة الحرب، إذ تستفيد واشنطن من تصاعد التوترات عبر انتعاش صناعاتها العسكرية وتوسيع نفوذها داخل أوروبا، في حين يتحمل الاتحاد الأوروبي التكلفة الأكبر على المستويين العسكري والاقتصادي.

وأضاف  مدير وحدة الدراسات الروسية بمركز الدراسات العربية الأوراسية، أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب لا تنوي الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، وإنما تفضل أن تكون الحرب أوروبية بالدرجة الأولى، بما يضمن لها الحفاظ على قوتها وتوجيه الضربات من خلف الستار.

وفي السياق الأوسع، اعتبر بريجع أن ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع إقليمي، بل يمثل مرحلة إعادة تشكيل شاملة للنظام الدولي، تشمل قواعده السياسية وموازينه الاقتصادية. ولفت إلى أن التاريخ يكرر نفسه، فكل 100 عام تحدث تحولات اقتصادية كبرى تعيد رسم خريطة العالم.

وأوضح أن العالم بعد الحرب العالمية الثانية شهد بروز اقتصاد صناعي ضخم تقوده الصناعات الثقيلة والتسليح، أما اليوم فنحن على أعتاب عصر جديد يقوم على الروبوتات والذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والحرب السيبرانية، وهي أدوات تحمل طابعًا مزدوجًا مدنيا وعسكريا.

أخبار ذات علاقة

حرائق إثر هجوم روسي على أوكرانيا

كييف: روسيا شنت هجومًا ضخمًا على بنى تحتية للطاقة في أوكرانيا

وبين ديمتري بريجع، أن هذه التكنولوجيا الحديثة ستصبح الساحة الأساسية لأي مواجهة مقبلة، إذ لم تعد الحروب التقليدية الميدان الوحيد للصراع، بل باتت المعركة تشمل الفضاء والبيانات والأنظمة الذكية.

وأكد أن العالم يقف أمام مواجهة مباشرة أو غير مباشرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

ولفت إلى أن الأمور قد تنزلق إلى حرب شاملة إذا لم تُفتح قنوات حوار حقيقية تؤدي إلى اتفاق سياسي يعترف جزئيًا بالوضع الجديد على الأرض، خصوصًا فيما يتعلق بالمناطق التي تسيطر عليها روسيا.

وحذر بريجع من أن استمرار الصراع بهذا الشكل قد يؤدي إلى تفكك روسيا من الداخل في حال هزيمتها أمام أوكرانيا، في الوقت الذي ستواجه فيه أوروبا حالة استنزاف عسكري واقتصادي تدخلها في سباق تسلّح جديد غير محسوب العواقب.

من جانبه، قال الدكتور توفيق حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، إن الرئيس ترامب يتعامل مع الأزمة بعقلية رجل الأعمال، ساعيًا إلى الاستفادة القصوى من الصراع الروسي الأوكراني رغم إعلانه عن رغبته في تحقيق السلام.

أخبار ذات علاقة

علم الاتحاد الأوروبي

بين التصعيد والاستقلالية.. كيف أربكت حرب أوكرانيا سياسات أمن أوروبا؟

وأشار حميد، في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن ترامب من ناحية يمد أوكرانيا بالأسلحة عبر حلف الناتو الذي يتحمل تكلفتها، ومن ناحية أخرى يستخدم هذه الورقة لممارسة ضغوط على روسيا وإجبارها على التراجع ووقف الحرب، واصفًا ترامب بأنه «رجل الأعمال في ميدان الحرب».

وأضاف أن ترامب ينظر إلى الأزمات الدولية باعتبارها فرصًا اقتصادية واستراتيجية أكثر من كونها مجرد صراعات سياسية أو إنسانية، فهو يوظف خبرته في عالم المال والأعمال لتحويل كل موقف دولي إلى صفقة محتملة يسعى من خلالها لتحقيق مكاسب للولايات المتحدة أولًا، ولتعزيز موقعه السياسي ثانيًا.

لهذا، فإن دعمه لأوكرانيا لا ينطلق فقط من منطلقات أخلاقية، بل أيضًا من رغبة في الضغط على روسيا وفرض توازن يخدم مصالح بلاده على المدى الطويل.

وأشار حميد، إلى أن ترامب يتبنى نهج «السلام بالقوة»، أي استخدام الأدوات العسكرية والضغط الاقتصادي كوسائل لتحقيق السلام، وهو نهج يختلف عن الدبلوماسية التقليدية. 

وتابع: "في الوقت الذي يُظهر فيه استعداده لوقف الحرب، لا يتردد في تسليح أوكرانيا، بما يعكس تناقضًا محسوبًا يخدم هدفه الأساسي، فرض شروط أمريكية على الطرفين، والظهور في صورة صانع سلام عالمي، ولكن بعقلية التاجر الذي لا يقبل بالخسارة دون مقابل".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC