حذر تقرير عالمي حديث من أن الحروب والانقلابات العسكرية تُبطئ عملية بناء الديمقراطية في العديد من البلدان الإفريقية.
ودرس تقرير "حالة الديمقراطية العالمية 2025"، الصادر عن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) ومقره ستوكهولم، أداء الديمقراطية في 173 دولة خلال العام 2024، ووجد أن دولًا إفريقية عديدة أصبحت أقل ديمقراطية مما كانت عليه قبل خمس سنوات، مع تراجع ملحوظ في مجالات الحكومة المنتخبة، والانتخابات ذات المصداقية، والبرلمانات الفعالة.
وسجلت منطقة غرب إفريقيا أعلى معدلات التراجع الديمقراطي بين عامي 2019 و2024، حيث سيطرت المجالس العسكرية على دول مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر وغينيا بعد الانقلابات، بحسب موقع "بزنس إنسايدر إفريقيا".
وبينما وعدت هذه الحكومات بإعادة السلطة إلى المدنيين، فإنها أجلت الانتخابات مرارًا، ومددت فترات الانتقال؛ ما أضعف الضوابط والتوازنات التي تعتمد عليها الأنظمة الديمقراطية.
وأكد التقرير أن 23 دولة إفريقية شهدت انخفاضًا كبيرًا في واحد على الأقل من المجالات الثلاثة الرئيسية، في حين تأثرت عشرون منها بالصراعات المسلحة أو الانقلابات أو عدم الاستقرار السياسي المستمر.
الصحافة والحريات تتراجع
لم تقتصر آثار الانقلابات على الهياكل السياسية فحسب، بل امتدت لتشمل حرية الصحافة، التي انخفضت في نحو ربع البلدان الإفريقية.
ففي بوركينا فاسو ومالي، فُرضت القيود على وسائل الإعلام بعد الاستيلاء العسكري على السلطة، في حين ارتبط الانخفاض في السنغال بالقواعد التنظيمية الأكثر صرامة على الصحفيين والمنافذ الإعلامية.
ويشير التقرير إلى أن الحروب هي أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الديمقراطية، إذ تُدمر البنية التحتية العامة، بما في ذلك المدارس والمحاكم والبرلمانات، وتجبر الحكومات على التركيز على الأمن بدلًا من بناء مؤسسات ديمقراطية قوية.
كما يُزعزع القتال الثقة بين المواطنين والدولة، ويولد الخوف ويصعّب حماية الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير وحق التصويت والمساواة أمام القانون.
ويعد السودان مثالًا واضحًا، فقد أوقفت الحرب الأهلية عملية الانتقال الديمقراطي تمامًا، وأدت إلى أعمال عنف على أساس العرق والجنس، وأجبرت ملايين السودانيين على النزوح داخليًا أو اللجوء إلى الدول المجاورة، مع تعرض بعضهم للترحيل أو الهجوم أثناء محاولاتهم البحث عن الأمان.
الأداء المنخفض للديمقراطية
وعلى الرغم من التحديات، أشارت الدراسة إلى أن بعض الدول الإفريقية حققت تقدّمًا محدودًا؛ فقد سجلت جنوب إفريقيا تحسنًا في الانتخابات ذات المصداقية بعد تشكيل أول حكومة ائتلافية وطنية منذ 1994، كما شهدت بوتسوانا أول تغيير سلمي للحزب الحاكم منذ استقلالها في العام 1966؛ ما عزز الثقة في نظامها الانتخابي.
ومع ذلك، تبقى هذه الأمثلة الاستثنائية نادرة، إذ تؤكد غالبية البيانات أن معظم البلدان الإفريقية لا تزال في نطاق الأداء المنخفض فيما يتعلق بالديمقراطية، مع ضعف الانتخابات، والبرلمانات، وحماية الحقوق الأساسية.
ويشير المحللون إلى أن استمرار الصراعات والانقلابات سيجعل بناء أنظمة ديمقراطية قوية وحماية حقوق المواطنين مهمة صعبة في السنوات المقبلة، ما لم تُسيطر الحكومات على حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.