بات استقلال القضاء الأمريكي مهددًا بتحكم الولاء الحزبي في بعض أعضائه، ما تمثل مؤخرًا في ظاهرة صدور أحكام قضائية تعارض قرارات الرئيس دونالد ترامب، عندما يكون القاضي ذا ميول ديمقراطية، في حين لا تعارضها أحكام قضاة آخرين ذوي ميول جمهورية.
وهذا ما تكرر مؤخرًا، في ظل أحقية الرئيس الأمريكي في تعيين قضاة في مواقعهم، ولكن مع اختيارات سابقة من الرئيس السابق جو بايدن لقضاة لهم ميول ديمقراطية، والحال نفسه من جانب ترامب في تعيين قضاة لهم ميول جمهورية. وبذلك بات الولاء الحزبي يتحكم في الكثير من الأحكام القضائية حول عدد من الدعاوى.
وكان قد أصدر قاضٍ اتحادي حكمًا يمنع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتخاذ قرار أحادي بقطع مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية التي أذن بها الكونغرس، وتنتهي صلاحيتها في نهاية سبتمبر/ أيلول الجاري.
وحكم قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية في واشنطن، أمير علي، مؤخرًا، بأن الإدارة الأمريكية لا تزال ملزمة بالامتثال لقوانين المخصصات ما لم يغيرها الكونغرس، وبأنه لا يمكنها حجب إنفاق ما يقرب من أربعة مليارات دولار من أصل 11.5 مليار من المخصصات في عام 2024 من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في 30 سبتمبر الجاري، فضلًا عن مخصصات أخرى سبق اعتمادها وينتهي أجل إنفاقها أيضًا في التاريخ نفسه.
ويقول الخبير في الشؤون الأمريكية نبيل واصف، إن هذه المساعدات الخارجية تم إقرارها من خلال الكونغرس صاحب السلطة في ذلك، وليس من سلطات ترامب منعها أو حجبها أو استقطاعها بهذا الشكل، إلا مع قرار يدعم ذلك من الكونغرس، وهو ما استند إليه الحكم.
وأضاف واصف في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ترامب تعامل في جزء كبير من هذا القرار ضمن عدة إجراءات اتخذها في وقت سابق منها على سبيل المثال، حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي كان يجب أيضًا أن يمر عبر الكونغرس ولكن الأغلبية الجمهورية منعت ذلك.
وأشار واصف إلى أن هذا المشهد غير المنضبط سياسيًا وغير الملتزم بمبدأ الفصل بين السلطات، انعكس في أحكام عدة من جانب دوائر قضائية بدرجات مختلفة منها جزئية واستئناف، وكان آخرها عدم قانونية الرسوم الجمركية وضرورة عودتها إلى الكونغرس، ليكون الأمر مثل أحكام سابقة ضد قرارات لترامب تتعلق بالهجرة غير الشرعية، ومن المنتظر أن تحكم الفيدرالية العليا بدستورية ذلك من عدمها.
وتابع واصف أن في هذه العلاقات المتداخلة يكمن أمر آخر يتعلق بمدى سيطرة قضاة جمهوريين على مقاعد في محاكم بدرجاتها المختلفة، وفي الوقت نفسه، وجود قضاة ديمقراطيين تم تعيينهم في ولاية الرئيس السابق جو بايدن، ما يجعل التسييس قائمًا في الحكم بالعديد من الدعاوى، ما يؤثر على الفصل فيها.
ويتفق معه، الباحث في الشأن الأمريكي، أحمد ياسين، بالقول إن ما يجري في ضوء الأحكام القضائية المتكررة التي تعارض أوامر الرئيس الأمريكي، هي معركة توضح مدى تسييس القضاء.
وذكر أن هذه المعركة أخذت جانبًا علنيًا لما كان يجري بشكل محدود من جانب بعض رؤساء الولايات المتحدة قبل ذلك، بالمجيء بعدد قليل من قضاة محسوبين على توجه لرئيس أو يميلون إلى حزبه، ولكن هذا بات أمرًا واضحًا في ولاية ترامب الأولى، والحال نفسه في ولاية بايدن السابقة.
وبين ياسين في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ترامب عمل بشكل كبير في ولايته على تعيين قضاة في منصات مختلفة، بتعيين قضاة وأعضاء محاكم يميلون إلى الحزب الجمهوري، وبالتالي فهم على قناعة بسياساته التي تترجم في إجراءات كان يتطلب التعامل معها تشريعيًا، ولكنه مضى فيها بأوامر إدارية.
ولفت ياسين إلى أن الأمر نفسه كان من جانب الديمقراطيين وهو ما فعله الرئيس السابق جو بايدن، الذي كان يقوم هو الآخر بتعيين قضاة لهم توجهات ديمقراطية وهذا يتمثل في نفس القاضي صاحب هذا الحكم بمنع ترامب من خفض تمويل المساعدات الخارجية، حيث إنه معين من جانب بايدن.
واستكمل ياسين بأنه من الواضح أن جزءًا كبيرًا من استقلال القضاء الأمريكي بات مهددًا؛ بسبب تحكم الولاء الحزبي في الكثير من القضاة، وأن هذا الولاء بطبيعة الحال للرئيس الذي قام بتعيينه، وهو ما يهدد مسار العدالة بالفعل.
ويؤكد ياسين أن معظم الأحكام الصادرة الرافضة لقرارات اتخذها ترامب حتى لو كانت تحمل تغولًا منه على سلطات أخرى منها الكونغرس، هي من قضاة ديمقراطيين.
وأشار إلى أن هذا الشكل كان هناك جانب منه مع ولاية الرئيس بايدن الذي كان يتخذ بعض القرارات غير القانونية والمخالفة لسلطاته ولكن كانت الأحكام التي تقضي بعدم قانونيتها من قضاة جمهوريين أيضًا.