حذّر الرئيس الكوري الجنوبي، لي جاي ميونغ، مؤخرًا من أن بيونغ يانغ اقتربت من تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل رأس نووي يصل إلى الأراضي الأمريكية، في تطور قد يعيد تشكيل معادلات الأمن الأمريكي وحلفاء واشنطن.
وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية لم تثبت بعد قدرة رؤوسها الحربية على الصمود أثناء دخول الغلاف الجوي بسرعات فرط صوتية، إلَّا أن وتيرة تطوير الصواريخ السريعة تزيد حدة المخاطر على كلٍّ من واشنطن وسول وطوكيو على حدٍّ سواء.
وفي قلب هذه الترسانة الكورية الشمالية، يظهر صاروخ "هواسونغ-19" ذو الوقود الصلب ثلاثي المراحل، الذي جُرِّب لأول مرة في أكتوبر 2024، وهو مصمَّم ليكون متنقلاً وقادراً على الإطلاق السريع من منصات محمولة؛ ما يقلِّل فرص اكتشافه أو اعتراضه قبل الإطلاق، ويُقدَّر مدى الصاروخ بأكثر من 12 ألف كيلومتر، ليغطي كامل الأراضي الأمريكية إذا تم تزويده برأس نووي مُصمَّم لتحمُّل الدخول الجوي.
قدرات استراتيجية
وبحسب "آرمي ريكوغنيشن"، فإن بيونغ يانغ تمتلك صواريخ "هواسونغ-17" السائلة العملاقة، والتي يمكنها حمل رؤوس ثقيلة أو متعددة، بمدى يُقدَّر بين 12 و15 ألف كيلومتر، لتصبح أداة سياسية للردع وأساسًا محتملاً لتقنيات "الرؤوس الحربية المتعددة المستقلة" (MIRV) المستقبلية، كما أن هناك مؤشرات على تطوير صاروخ "هواسونغ-20" الثقيل، الذي قد يشمل أجهزة اختراق أو تقنية (MIRV)؛ ما سيعقِّد مهمة أنظمة الدفاع الأمريكية.
إلى جانب الصواريخ العابرة للقارات بريًّا، طورت كوريا الشمالية، بحسب الخبراء، قدرة الضربة الثانية عبر صواريخ "بوكغوكسونغ" البحرية، مثل "بوكغوكسونغ-3 و4 و5"، بمدى يتراوح بين 2 و3 آلاف كيلومتر، مهددة اليابان وغوام وقواعد أمريكية في المحيط الهادئ، وبينما لا تزال قدرات أسطولها من الغواصات محدودة، فإن أي استخدام محدود للصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات (SLBM)، من مواقع غير متوقعة، يزيد من صعوبة تتبعها ويعزز بقاء ترسانتها النووية.
وعلى المستوى الإقليمي، تواصل كوريا الشمالية تعزيز خيارات الضربة النووية قصيرة ومتوسطة المدى، مثل "هواسونغ-12" للوصول إلى غوام، و"كيه إن-23 و24" لضرب كوريا الجنوبية واليابان، بقدرات تفجيرية بين 10 و50 كيلوطن؛ ما يجعل الخط الفاصل بين التصعيد التقليدي والنووي غامضًا.
الغلاف الجوي يتحدى بيونغ يانغ
يرى المراقبون أن التحدي الأكبر يكمن في قدرة دخول الرأس النووي إلى الغلاف الجوي بأمان؛ إذ يجب أن يتحمل حرارة وضغطًا هائلين أثناء العودة بسرعات فرط صوتية، ولذلك فرغم ظهور صور أشكال جديدة للرؤوس في وسائل الإعلام الرسمية، فإنها لم تُشاهد مستخدمة بعد على أرض الواقع.
لكن في حال إتمام هذا التطور، فإن ميزان القوى الاستراتيجي في شرق آسيا سيتغير بشكل جوهري؛ ما يعني أن الولايات المتحدة قد تواجه احتمال وجود صواريخ باليستية نووية قادرة على الوصول إلى واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس؛ ما يزيد الاعتماد على الدفاعات الصاروخية وضمانات الردع النووي.
أمّا بالنسبة لكوريا الجنوبية واليابان، فإن الخطر المباشر يكمن في الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي يمكنها التسبب في دمار سريع للمناطق الحضرية والقواعد العسكرية، وعلى المستوى الدولي، يثير تقدم كوريا الشمالية مخاطر انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك تصدير المواد أو التصميمات أو التكنولوجيا إلى دول أو فاعلين غير دوليين، مهددةً استقرار مناطق بعيدة عن شمال شرق آسيا.
ومن المرجح أن يكون البرنامج النووي لكوريا الشمالية قد وصل إلى مرحلة حاسمة؛ إذ باتت بيونغ يانغ قادرةً على إلحاق الدمار النووي بجيرانها، وعلى أعتاب تهديد الأراضي الأمريكية، مع ترسانة متنوعة تشمل صواريخ أرضية وبحرية وإمكانية تطوير رؤوس متعددة؛ ما يجعل بيونغ يانغ لاعبًا نوويًا أساسيًا يُعيد تشكيل حسابات الردع والأمن الدولي في القرن الحادي والعشرين.