في قلب الصراع الأوكراني المستمر منذ أكثر من 3 أعوام، أصبحت محطة زاباروجيا النووية نقطة محورية، تمثل عنصرًا إستراتيجيًا قد يشعل مواجهة واسعة أو تتحول إلى مفتاح لتسوية النزاع بين روسيا والغرب، وفق خبراء.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفضه أي تنازل عن السيطرة على المحطة، في حين شهدت المنشأة انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة الأنشطة العسكرية، وسط حرص روسي على تثبيت النفوذ واعتبارها ورقة ضغط في المفاوضات.
ودعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق تعاون يضمن سلامة المحطة، مشيرًا إلى أن أي تسوية سلمية لن تكتمل دون ترتيب دولي يضمن أمنها واستقرارها.
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، إن إستراتيجية الولايات المتحدة بعيدة المدى تقوم على مبدأ "تَمَهل ولا تُهمل"، فهي لا تتراجع عن أي قضية تطرحها على الساحة الدولية، وتعمل على ربط الجميع بما وصفه بحديقتها الخلفية.
وأضاف المحلل السياسي لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية أجبرت أوروبا على استكمال ما تقوم به من "أعمال قذرة" في مناطق مختلفة حول العالم، وأنها حين تشعر بأن وكلاءها قد يتمردون، تطبق عليهم سياسات ضغط سياسي واقتصادي، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية العام 2008.
وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى بسط نفوذه على مناطق النزاع الأوروبية وبناء موطئ قدم دائم فيها، وأن الملف الأوكراني يعد من أكبر المكاسب الإستراتيجية التي يمكن لواشنطن تحقيقها خلال القرن الحالي.
ولفت حميد إلى أن ترامب اقترح، في مارس/ آذار الماضي، على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن تتملك الولايات المتحدة محطات الطاقة النووية الأوكرانية، ومنها زاباروجيا، وتديرها مقابل وقف إطلاق النار بين موسكو وكييف، إلا أن حلفاء أوكرانيا من البريطانيين والألمان والفرنسيين يرفضون وجودًا أمريكيًا دائمًا، ويقبلون به فقط كقوة قتالية لتخفيف أعباء الحرب.
وأوضح أن سيطرة موسكو على زاباروجيا، منذ فبراير/ شباط 2022، لم تكن عابرة أو مؤقتة، بل هدفت إلى شل القدرة الأوكرانية على تطوير قدراتها النووية والمدنية والعسكرية، التي قد تشكل تهديدًا للكرملين.
وأضاف المحلل السياسي، أن زيلينسكي يلجأ إلى لندن وبروكسل طلبًا للدعم، متناسيًا أن بروكسل نفسها فقدت فرصًا كبيرة للتفاوض أو اتخاذ موقف واضح بشأن الملف الأوكراني، وأن هذا التردد والغموض يصب في مصلحة بوتين، ويزيد من قناعته بتوسيع الأراضي التي يضمها إلى "الخريطة الروسية".
وأشار حميد إلى أن المفاوضين حول مبادرة السلام الأمريكية ما زالوا منقسمين بشأن ملف الأراضي، فيما يشعر الرئيس الأمريكي بخيبة أمل من تعامل كييف، وأن المشكلة الأساسية تكمن في أن زيلينسكي "لا يمتلك القرار في بلاده"، ومفتاح الحل "موجود في 10 داونينغ ستريت في لندن".
وأكد أن رفض كييف مطالب أمريكا بوقف إطلاق النار قد يمنح موسكو فرصة لتصعيد العمليات، ما قد يدفع زيلينسكي للاستسلام وتقاسم النفوذ مع أمريكا في أوكرانيا، بما في ذلك محطة زاباروجيا، وفق مصالح الطرفين.
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. سمير أيوب، إن محطة زاباروجيا للطاقة النووية في مدينة إنيرغودار تُعد واحدة من أكبر المحطات النووية في أوروبا، وإن أي حادث محتمل فيها قد يتسبب بدمار هائل للمنطقة وربما يمتد تأثيره إلى دول أوروبية متعددة، مما يجعل الاهتمام الدولي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول المجاورة أمرًا مبررًا.
وكشف أيوب في تصريح لـ"إرم نيوز" أن المحطة تعرضت لهجمات أوكرانية منذ سيطرة القوات الروسية عليها في بداية العملية العسكرية العام 2022، بما في ذلك استخدام المسيّرات والمدفعية، في محاولة لخلط الأوراق والضغط على موسكو، رغم جهود الوكالة الدولية لتبرئة كييف من المسؤولية.
وأكد الخبير في الشؤون الروسية، أن وجود المحطة أصبح عاملًا رئيسًا في تهدئة أو تصعيد الصراع، إذ إن أي تصعيد قد يؤدي إلى كارثة نووية.
وأشار إلى أن النقاشات الأخيرة تناولت مستقبل المحطة، هل تبقى تحت السيطرة الروسية، ما يجعل أوكرانيا والدول الأوروبية "رهائن للطاقة" التي توفرها موسكو، أم تعود إلى كييف، وهو ما يبدو أن روسيا لن تقبله.
وأضاف أن أحد السيناريوهات المطروحة يشمل إدارة مشتركة عبر لجنة دولية أو اتفاق مكتوب يحدد مسؤوليات كل طرف، وأن استمرار رفض كييف المبادرة أمريكية والشروط الروسية قد يؤدي إلى تثبيت السيطرة الروسية على المقاطعات الأربعة، بما فيها زاباروجيا.
وأكد د. سمير أيوب، أن أوروبا يجب أن تضغط على كييف لوقف استهداف المحطة، لأن امتناعها عن ذلك يجعلها «شريكة» في أي نتائج كارثية مستقبلية، وأن روسيا تستغل سيطرتها على المحطة كورقة ضغط إستراتيجية، إذ لا يمكنها التخلي عنها دون اتفاق شامل يتضمن اعترافًا قانونيًا بالضم، مع وجود أوكراني محدود لأغراض تقنية.
وأشار إلى أن روسيا ستبقى هي المسيطرة على المحطة، ولن تسمح لأي طرف آخر بدور رئيسي، باستثناء بعض خبراء الوكالة الدولية للمراقبة فقط.