رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
يرى خبراء العلاقات الدولية أن تفويض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا، يمثل عودة إلى أساليب الحرب الباردة، وأداة تكتيكية في إدارة واشنطن لصراعاتها مع الأنظمة المناوئة لها في أمريكا اللاتينية.
وذهب المحللون في قراءتهم إلى أن الخطوة تعكس ميلاً متزايداً نحو استخدام القوة الخفية بدل الدبلوماسية العلنية في التعامل مع الخصوم.
وكان ترامب قد أكد في تصريحات حديثة أنه صادق على منح وكالة المخابرات المركزية تفويضاً لتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا.
ويصف الباحث الإستراتيجي هشام معتضد القرار بأنه يشكل تحولاً إستراتيجياً يتجاوز البعد التكتيكي في إدارة واشنطن لصراعاتها مع الأنظمة المناوئة لها في النصف الجنوبي من القارة.
وقال معتضد لـ"إرم نيوز" العمليات السرية الأمريكية لا تقتصر على جمع المعلومات أو التجسس، بل تمثل – وفق العقيدة الأمنية الأمريكية – أداة لإعادة تشكيل الأنظمة السياسية في الدول التي تُصنَّف على أنها معادية للمصالح الأمريكية.
ويرى أن ترامب بهذا التفويض يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من "الهندسة السياسية الميدانية"، حيث يصبح الهدف هو إضعاف منظومة مادورو من الداخل أكثر من مواجهته عبر القنوات الدبلوماسية أو العقوبات الاقتصادية التقليدية.
وأشار إلى أن هذا التفويض أيضاً يحمل رسالة مزدوجة، فهو من جهة يعيد الاعتبار للمخابرات المركزية كأداة رئيسة في السياسة الخارجية الأمريكية بعد سنوات من تقليص دورها العلني، ومن جهة أخرى، يعكس إيمان ترامب بأن الصراع مع الأنظمة الشعبوية في أمريكا اللاتينية لا يحسم إلا عبر أدوات القوة الخفية لا عبر الإقناع أو الحوار، مما يظهر عودة المدرسة الواقعية الباردة في السياسة الأمريكية، حيث تستخدم أجهزة الاستخبارات كأذرع تنفيذية للمشروع الأمريكي في الفضاءات الرمادية خارج القانون الدولي.
ومن منظور القانون الدولي، يرى معتضد أن هذا القرار يعد انتهاكًا صارخًا لمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، غير أن واشنطن – بحسب قوله – لا تتعامل مع فنزويلا كدولة ذات سيادة كاملة، بل كـ"نظام مارق" فقد شرعيته الديمقراطية، ما يجعلها في نظر المؤسسة الأمريكية هدفًا مشروعًا لعمليات “التصحيح السياسي”.
وأضاف أن هذه المقاربة تستعيد نهج الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي تجاه نيكاراغوا وكوبا، لكنها تعود، اليوم، بصيغة أكثر تطورًا من حيث الأدوات الاستخباراتية والقدرات التقنية.
ولفت إلى أن واشنطن تدرك أن إسقاط نظام كاراكاس ليس ممكناً بضربة عسكرية سريعة أو عبر تمرد داخلي مفاجئ، مشيراً إلى تماسك الجيش الفنزويلي وامتلاك الدولة لعمق شعبوي بين الطبقات الفقيرة التي تغذي سردية "الصمود ضد الإمبريالية"، مضيفاً أن الهدف ليس الإطاحة الفورية بمادورو، بل استنزاف نظامه سياسياً واقتصادياً حتى يفقد توازنه الداخلي تدريجياً.
يعتقد معتضد أنه لا يمكن قراءة هذا التحرك بمعزل عن الحسابات الانتخابية الداخلية في الولايات المتحدة، لا سيما أن ترامب يسعى إلى استعادة الخطاب الإمبراطوري الأمريكي الذي يرضي القاعدة المحافظة ويظهره كرئيس قادر على إعادة "أمريكا القوية" إلى المسرح العالمي.
من جهته، قال الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، الدكتور محمد عطيف، إن القرار يمنح وكالة المخابرات المركزية صلاحيات استثنائية لتنفيذ أنشطة غير معلنة تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو أمنية تحددها الإدارة الأمريكية، موضحًا أن هذه الأنشطة قد تشمل جمع المعلومات الاستخباراتية، أو دعم أطراف داخلية، أو التأثير في الرأي العام، أو تنفيذ عمليات ميدانية مرتبطة بالوضع الداخلي في فنزويلا.
وبيّن عطيف لـ"إرم نيوز" أن هذا النوع من التفويض يعد أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية حين ترغب واشنطن في التحرك خارج الأطر الدبلوماسية التقليدية دون الانخراط العسكري المباشر.
وأضاف أنه من منظور القانون الدولي، يثير هذا التفويض إشكاليات تتعلق بمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما قد تعتبره كاراكاس انتهاكًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وأشار إلى أنه من منظور الولايات المتحدة قد يبرز هذا التفويض باعتباره خطوة لحماية مصالحها الإقليمية أو دعم التحول الديمقراطي في هذا البلد اللاتيني وفقًا للتصور الأمريكي للوضع الذي تعيشه فنزويلا، موضحاً أن ذلك يعكس التباين في تفسير المفاهيم القانونية والسياسية بين الطرفين.
ولفت إلى أن هذا القرار من الناحية الواقعية لا يعني بالضرورة إسقاط مادورو، فربما الأمر مسألة وقت، ويعكس تصعيدا في أدوات الضغط السياسي والاستخباراتي، مشيراً إلى أن الوضع في فنزويلا معقد منذ تولي مادورو الرئاسة في هذا البلد، حيث يعتمد على توازنات داخلية تشمل دور الجيش وكذلك المؤسسات الأمنية، إضافة إلى شبكات التحالفات الخارجية التي تربطها بالدول الكبرى أو الحليفة لفنزويلا ، وفي الصدارة روسيا والصين.
وأوضح أن هناك عوامل تجعل من الصعب التنبؤ بنتائج التحركات الأمريكية على المدى القصير، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تفويض الولايات المتحدة لوكالاتها الاستخباراتية يمثل مرحلة جديدة من الصراع الأمريكي الفنزويلي، الذي تتداخل فيه الأبعاد السياسية والاستخباراتية والدبلوماسية.
ويعتقد أنه لا يمكن الجزم بأن نجاح هذا التوجه أو فشله سيعتمد على مدى قدرة واشنطن على توظيف أدواتها غير المباشرة، وقدرة النظام الفنزويلي على الحفاظ على تماسكه الداخلي ومساندة حلفائه في مواجهة الضغوط المتزايدة.