logo
العالم

خطوط الإمداد تحت النار.. هل يجازف ترامب بجرّ جنوده إلى "جحيم فنزويلا"؟

الحشود العسكرية الأمريكية بالكاريبيالمصدر: aawsat

مع إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرات صارمة بشأن "الأيام المعدودة" للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وسط الحشود العسكرية الضخمة في منطقة البحر الكاريبي، ارتفعت الدعوات الداخلية في كراكاس إلى تغيير النظام و"الضرب بيد من حديد".

ومع ذلك، فإن الغزو الأمريكي الكامل لا يزال يشكل احتمالاً صعباً، وفقا للعديد من المحللين العسكريين وخبراء السياسة الخارجية في مراكز الأبحاث.

في حين تتمتع واشنطن بقوة عسكرية ضخمة ولا مثيل لها، فإن التحديات الفريدة التي تواجه فنزويلا ــ والتي تتراوح من جغرافيتها الوعرة وجيشها المتمرس في المعارك إلى المعارضة الإقليمية الشرسة وشبح التمرد المطول - قد تحول أي تدخل إلى "مستنقع" عالي المخاطر، بحسب قراءة الكثير من الخبراء.

أخبار ذات علاقة

وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو لوبيز وضباط القيادة العليا العسكرية يحضرون تدريبًا عسكريًا

فنزويلا تحبس أنفاسها.. مادورو ينشر قواته على الحدود ويأمر بالاستعداد للأسوأ

معارضة شرسة

ففنزويلا كما يشير هؤلاء الخبراء ليست هدفا صغيرا، ولا لقمة سائغة، حيث إن مساحتها تبلغ حوالي 916 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة العراق، الساحة التي عانت فيها أمريكا كثيرا، كما يسكنها حوالي 28 مليون نسمة، ما قد يُرهق الجيش الأمريكي.

من هذا المنطلق، يؤكد ألكسندر ستيبانوف، المحلل العسكري في معهد القانون والأمن القومي، أن الحملة العسكرية الأمريكية ضد فنزويلا ستواجه معارضة شرسة، ولن تثبت أنها مسعى بسيط، على حد قوله.

وأضاف ستيبانوف أن "أي عملية عسكرية من واشنطن ضد فنزويلا ستشكل تهديدا وجوديا للإدارة الحالية وسيادة الجمهورية البوليفارية، ولن تكون المهمة سهلة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "تاس" الروسية.

وزعم الخبير الروسي أن القوات المسلحة الفنزويلية مجهزة بأسلحة متطورة قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالأصول البحرية الأمريكية، بما في ذلك طائرات سو-30 إم كيه الروسية المقاتلة، والصواريخ الصينية المضادة للسفن، و"أسطول البعوض" الإيراني من زوارق الهجوم عالية السرعة، مشيرا إلى أن "هذه الأصول قد تُشكل خطرا جسيما ضد نظيرتها الأمريكية".

50 ألف جندي وقتال شرس

ويقدر خبراء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الغزو الأمريكي الموثوق للإطاحة بمادورو سيتطلب نحو 50 ألف جندي، وهو رقم قد يتضخم إلى أكثر من 100 ألف جندي عند احتساب جهود الاستقرار بعد الغزو، وفقا لتقرير موقع "The EurAsian Times" المتخصص بالدفاع.

وقد تكون الخسائر البشرية مرتفعة للغاية، إذ لن تواجه القوات الأمريكية المقاومة التقليدية فحسب، بل ستواجه أيضاً قتالاً حضرياً في العاصمة كاراكاس المكتظة بالسكان، وحرب العصابات في حوض نهر أورينوكو ومرتفعات الأنديز.

أخبار ذات علاقة

لقطة من بارجة أمريكية

تفويض أمريكي لضرب سفن فنزويلية.. إعلان حرب أم ضغط سياسي على كاراكاس؟

"كوابيس" خطوط الإمداد

خطوط الإمداد والتي تدرس بعناية فائقة في المنظور العسكري الاستراتيجي في وقت مبكر قبل شن أي حرب، سيكون لها كلمة فصل ومعقدة حال قررت واشنطن شن عملية عسكرية كبيرة في نطاق الغزو الشامل، إذ ستعقد الكوابيس اللوجستية المسألة، حيث ستكون خطوط الإمداد الممتدة من القواعد الأمريكية في فلوريدا أو كولومبيا عرضة للمنع، في حين أن الدفاعات الجوية الفنزويلية - المدعومة بأنظمة إس-300 الروسية، وحتى طائرات إف-16 أمريكية الصنع - قد تُلحق خسائر فادحة بالطائرات المهاجمة، وفقا للتقرير الدفاعي لموقع "The EurAsian Times".

مخاطر تشغيلية عالية

وكما لاحظ إيفان كوبر وأليساندرو بيري من مركز ستيمسون، فإنه حتى الضربات المستهدفة تنطوي على مخاطر "تكاليف تشغيلية عالية" وتصعيد إلى حرب شاملة، مع وجود ضمانات ضئيلة لانهيار النظام، وفق قراءته.

وبحسب التقارير، أصبحت القوات المسلحة الفنزويلية، التي يبلغ قوامها نحو 150 ألف جندي نشط، "مضادة للانقلابات" من خلال هياكل قيادية مجزأة واختبارات الولاء، مما يجعل الانشقاق غير مرجح.

كاراكاس وطرابلس الليبية

أما تحليلات معهد "كاتو" فتشير إلى أوجه تشابه صارخة مع التدخل في ليبيا عام 2011، حيث أطاحت القوة الجوية لحلف شمال الأطلسي بمعمر القذافي، مشعلة بذلك الفوضى في البلاد، وقسمتها إلى ميليشيات، وأفرزت فروعا لتنظيم داعش الإرهابي.

وفي فنزويلا، يخشى الخبراء من رد فعل مماثل: "لا تزال القوات المسلحة الفنزويلية موالية لنيكولاس مادورو، ومن المرجح أن يؤدي التدخل الأمريكي إلى تأجيج القومية الفنزويلية وإشعال صراع داخلي طويل الأمد".

وبعد الغزو المحتمل، قد تشهد البلاد فوضى كارثية، حيث من المرجح أن تستغل "الجماعات المسلحة" "ميليشيات موالية للنظام يُقدر عددها بـ100 ألف عنصر" وتجار المخدرات هذا الفراغ، وقد يتحالفون مع المتمردين الكولومبيين، مثل جيش التحرير الوطني، الذين يسيطرون بالفعل على مساحات شاسعة من الأراضي الحدودية.

"مستنقع صعب"

ووصف مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي هذا السيناريو بأنه "مستنقع من شأنه أن يصبح قضية مشهورة للجماعات المسلحة الإجرامية أو غير القانونية في الأمريكيتين"، مما يحشد المقاتلين ضد القوات الأمريكية.

وتُردد مجموعة الأزمات الدولية صدى هذا، محذرة من "حرب عصابات" إذا قاوم كبار الضباط الحكومة الجديدة، مما يعقّد السيطرة على الموانئ والمطارات وحقول النفط.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب ونيكولاس مادورو

رسائل متضاربة تربك العالم.. ماذا يخطط ترامب لفنزويلا؟

إدانات ومساندات دولية

وقد أدان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بالفعل الضربات الأمريكية على قوارب المخدرات ووصفها بأنها تصعيدية، وتعهد بعدم دعم الهجمات من بوغوتا، وبتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كاراكاس.

ودعا الزعيم البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى ضبط النفس، في حين أن حتى حلفاء الولايات المتحدة مثل الأرجنتين يتجهون نحو الصين وسط إدراكهم لعدم موثوقية الولايات المتحدة.

ويتوقع خبراء مثل أنيبال سانشيز إسماعيل، المحلل السياسي الفنزويلي، تحقيق الوحدة: فالهجمات من شأنها أن تثير "احتجاجات دبلوماسية، وتزيد من الاضطهاد السياسي"، وتحشد الشعب ضد "الإمبريالية"، على حد قوله.

أما مجلس العلاقات الخارجية فسلط الضوء مؤخرا على عدم جاهزية الجيوش الإقليمية - التي تقتصر على أدوار صغيرة في حفظ السلام مثل هايتي - مما يجعل الدعم المتعدد الأطراف غير قابل للبدء.

تكاليف الحرب المحتملة

حول تكاليف الحرب المحتملة، تتجاوز ساحة المعركة، حيث تمتلك فنزويلا أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، وقد يؤدي الصراع إلى ارتفاع الأسعار العالمية بنسبة تتراوح بين 10% و20%، مما يؤثر سلبًا على المستهلكين الأمريكيين الذين يعانون بالفعل من التضخم.

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، فإنه "يتعين على واشنطن أن تحذر من تغيير النظام.. وينبغي لها أن تكون صريحة بشأن التكاليف والمخاطر والعواقب المحتملة لتدخل أعمق"، وفق قولها.

وفي حين أن التهديد الأمريكي بالحرب قد يشكل ضغوطا على مادورو، فإن الخبراء من مختلف الأطياف - من صقور مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى دبلوماسيي مجموعة الأزمات الدولية - يتفقون على أن الغزو من شأنه أن يتطلب موارد هائلة، ويدعو إلى حرب غير متكافئة، وينفّر الحلفاء، ويحقق مكاسب غير مؤكدة.

وبينما يدرس ترامب خطوته التالية، فإن الدرس الواضح، وفق ما يقول الخبراء، هو أن الانتصارات السهلة هي مجرد أوهام في الحسابات المعقدة للجغرافيا السياسية في أمريكا اللاتينية.

وحذر ناثان سيلز، منسق مكافحة الإرهاب السابق في الولايات المتحدة، من أن سقوط ضحايا من المدنيين نتيجة للضربات الجوية من شأنه أن "يؤثر سلباً على العلاقات مع الحكومات الشريكة" ويؤدي إلى تآكل الدعم في المناطق الحيوية.

وعلاوة على ذلك، فشلت الحملات الجوية ضد طرق المخدرات تاريخيا، حيث لم تتمكن الجهود الأمريكية في أفغانستان من إحداث أي ضرر ضدها الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الاتجار والهجرة، مع تدفق 7.8 مليون لاجئ آخرين على الدول المجاورة مثل كولومبيا والبرازيل.

"وضع المنبوذ"

وقد طرح الخبير الاقتصادي ريكاردو هاوسمان من جامعة "هارفارد"، والذي يقدم المشورة للمعارضة الفنزويلية، فكرة تشكيل قوات متعددة الأطراف لتجنب "التجاوزات الأمريكية"، ولكن حتى هو يعترف بعدم جدوى هذه الفكرة في ضوء المقاومة الإقليمية، وفق قوله.

ويخلص كوبر وبيري من مركز ستيمسون إلى أن مثل هذه الإجراءات تهدد بوضع الولايات المتحدة في "وضع المنبوذ"، وتسرع انجراف أمريكا اللاتينية نحو بكين.

وفي فنزويلا، قد يؤدي التدخل بالوكالة من جانب روسيا "مورد الأسلحة" أو الصين "دائنة النفط" إلى تدويل القتال، وتحويل الاشتعال الإقليمي إلى مواجهة بين القوى العظمى.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC