رأى كبير الإستراتيجيين في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو، والذي عمل سابقًا مستشارًا للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لشؤون أمريكا اللاتينية، بأن الرئيس دونالد ترامب اتخذ قرار إسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، مشيرا إلى أن أي عملية عسكرية سيشنها ستكون لتحقيق هذا الهدف.
وكشف فرانكو في حوار مع "إرم نيوز" جزء من عقلية الرئيس الترامب في التعامل مع الخلاف المتصاعد مع كراكاس، تزامنًا مع تزايد الجدل في العاصمة واشنطن حول حقيقة الأهداف التي يريدها الرئيس ترامب من وراء التحشيد العسكري غير المسبوق ضد فنزويلا بعد قراره بنشر حاملة الطائرات الكبرى من نوعها في العالم "جيرالد فورد" وسفن عائمة وآلاف العناصر من مشاة البحرية الأمريكية وعدد من الفرق الخاصة للتدخل العسكري السريع في مياه منطقة الكاريبي.
وقدم فرانكو في هذا الحوار الخاص رؤيته للتطورات المتسارعة في منطقة الكاريبي واحتمالات المواجهة العسكرية الأمريكية مع فنزويلا، وانعكاسات ذلك على الداخل في كراكاس وعلى مكاسب الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري في الداخل في ظل سنة انتخابية مرتقبة.
وتاليا نص الحوار:
انطلاقًا من تجاربي السابقة مع الرؤساء السابقين في البيت الأبيض، فإن العادة أن هذا الأمر تتم مناقشته في غرفة العمليات. وحتى إن كنت لا أستطيع التطرق إلى الحقائق السرية، ولكن في العادة يتم الحديث إلى الرئيس أو نائب الرئيس في مثل هذه القضايا.
يمكن أن أذكر قرار الرئيس جورج بوش بتغيير النظام في هايتي، والذي كان نتيجة تدخل أمريكي مباشر، وتم اتخاذ القرار بإرسال 5 آلاف جندي أمريكي إلى هناك.
هذه الخلفية تساعدني على فهم توجهات إدارة الرئيس ترامب مما يحدث مع فنزويلا.
لا أعرف إذا كان هناك أحد من الإدارة أخبرك أنه في هذه المرحلة لا يوجد السيناريو "ألف"، وإنما هناك سيناريوهات مطروحة بترتيب مختلف، ولكن الرئيس في العادة هو من يقرر ما هو السيناريو المفضل لديه للتنفيذ.
ترامب أمامه الآن خيارات وبدائل، وهو فيما يبدو لم يقرر موقفه النهائي بعد من الأزمة، وهو الآن في حالة تقييم للموقف المناسب بدءًا من كيفية التعامل مع الاستهداف من قبل عصابات المخدرات والنظام الحاكم، وهذا هو المعلن من الناحية السياسية لوجود القوات الأمريكية في المنطقة.
أنت وأنا نعرف جيدًا أن الهدف البعيد ليس هو هذا، لأن القدر الأكبر من المواد المخدرة يأتي من دول كالمكسيك، ولكننا لا نتبع السياسة ذاتها تجاهها. هناك ديناميكية مختلفة عندما يتعلق الأمر بفنزويلا بالنسبة للإدارة الحالية.
نحن لا نعترف بالحكومة الحالية ونعتقد أنها حكومة غير شرعية وزورت الانتخابات الأخيرة قبل عامين، ولكن الأهم من ذلك أن الحكومة هناك مرتبطة بتحالفات مثيرة للقلق الأمني الأمريكي، خاصة في علاقتها بإيران وأذرعها النشطة في منطقة الشرق الأوسط ودول أخرى كالصين وروسيا.
نعم، أنت على حق، لأنه لو كان الهدف هو عصابات المخدرات، لكانت الإدارة لجأت إلى تطبيق الإستراتيجية ذاتها تجاه كولومبيا والمكسيك ودول أخرى في المنطقة.
المكسيك مثلًا تشكل نقطة العبور الأولى للمخدرات إلى داخل الولايات المتحدة.
بالتأكيد أن الإدارة اتخذت قرارًا بتصنيف عصابات مكسيكية كمنظمات إرهابية، ولكن على الأرض فنزويلا ليست هي المصدر الرئيسي لمخدر الفنتانيل، وهي الأزمة التي يتحدث عنها الرئيس باستمرار.
هناك أجندة مختلفة، ولكن الأمر معقد من الناحية العملية للحديث بهذه الصورة، ولذلك تمّ اللجوء إلى سيناريوهات مختلفة في التعامل مع فنزويلا، ولذلك هناك عدة خيارات مطروحة.
ما يمكن ملاحظته بقوة هو أن العمليات السرية التي نقوم بها على الأرض - وهو سلوك ليس جديدًا لأننا قمنا به في مناطق عدة من العالم في أوقات سابقة - تستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي وتعقيد الأمور على حكومة مادورو، ووضع مكافأة مالية بقيمة خمسين مليون دولار لمن يساعد على اعتقاله أو الوصول إليه، وإعطاء الإشارة إلى قيادات الجيش أنه في حال اتخاذ الخطوة اللازمة سيجدون الدعم في الخارج ومن الولايات المتحدة أولًا.
وهذه رسالة واضحة لهم بالتصرف مع مادورو واتخاذ الخطوة بأيديهم.
كل هذا يظهر أن الولايات المتحدة بصدد اختبار الأرض والدفع باتجاه تغيير النظام من خلال هذه الخطوات ولكن بأيدٍ داخلية.
هناك احتمال آخر مرجح الوقوع بقوة، وهو أن تلجأ القوات الأمريكية إلى قصف مواقع لصناعة المخدرات وأخرى عسكرية وأخرى للإمدادات الداخلية.
من وجهة نظري، أن الرئيس ترامب حاول في إدارته الأولى الدفع باتجاه تغيير النظام في فنزويلا، ولكن الأمر هذه المرة يبدو أنه يحمل سيناريوهات مختلفة من قبل الرئيس ترامب وفريقه الأمني.
الأمر صحيح تمامًا. لدينا أكبر حاملات الطائرات وعدد كبير من قواتنا يتحرك هناك، ولكن هذا التحرك إذا لم يحقق أهدافه فسوف يكون إعادة إنتاج لسياسات سابقة مارسناها لمدة ربع قرن كامل بانتقاد الحكومة الفنزويلية.
الناس حينها سوف يعتقدون أنه مجرد تكرار لأسلوب أمريكي قديم.
ولكن وضع هذه القوات وإطلاق عمليات عسكرية، حتى لو كانت محدودة الحجم والعدد والأهداف، فإن هذا سوف يشجع أصوات التغيير على الفهم بأن الولايات المتحدة هذه المرة جادة في مسعاها باتخاذها هذه الخطوات العملية.
لا أتصور أن الرئيس يقرر فجأة إعادة سحب هذه القوات من محيط فنزويلا، وحينها يكون السؤال: لماذا تم تحريكها من الأساس؟ لذلك سيلجأ الرئيس على الأقل إلى استهداف منشآت صناعة المواد المخدرة مع التطلع إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في البلاد.
إنها مسألة وقت قصير، لأن الرئيس لن يكون مناسبًا له البقاء هناك لوقت طويل؛ لأن الأمر من الناحية المادية واللوجستية مكلف جدًّا ولا معنى له إذا لم يكن محصورًا بأهداف محددة.
إضافة إلى أن الرئيس سيكون بحاجة إلى العودة إلى الكونغرس بعد انقضاء مهلة الستين يومًا القانونية للحصول على المصادقة المطلوبة لمثل هذه العملية العسكرية.
في حدود علمي، إن الرئيس يرغب في وجود عسكري محدود في الزمن، كما أنه لا يرغب في أن يضطر إلى طلب مصادقة من الكونغرس، لأنه يرغب في المحافظة على سرية مخططاته، وحتى إن كان مضطرًّا إلى مفاتحة الكونغرس، سوف يعمل على جعل مشاوراته مقصورة على القادة الثمانية في مبنى الكابيتول.
لأن رغبة الرئيس هي إنهاء هذه الأزمة وبأسرع وقت ممكن، لأنه لا يرغب في انسحاب سريع من المنطقة دون تحقيق أهدافه، لأنه في حال لجأ إلى ذلك سيظهر الأمر وكأنه انتصار جديد للرئيس الفنزويلي.
لذلك من الواضح أن الرئيس ترامب ينتظر تطور الأوضاع داخل فنزويلا حتى يوفر لنفسه مبرر التدخل العسكري المباشر هناك.
هذا أمر ليس جديدًا على السياسة الأمريكية. نحن كنا نعلم هذا من وقت سابق، لكن المتغيرات التي شهدها الشرق الأوسط بإضعاف إيران وأذرعها الإقليمية جعلت هناك استخدامًا لفنزويلا كقاعدة نشاط بالنسبة لهؤلاء، بما تتوفر عليه من ثروات، وجعلها منصة لاستهداف الأمن القومي الأمريكي، خاصة من خلال تجنيد خلايا نشطة عابرة للحدود أو حتى داخل الولايات المتحدة.
كذلك هناك قلق أمريكي من أي أشكال للتعاون الاقتصادي بين إيران وفنزويلا في هذا التوقيت الحساس، وهي مسألة ترغب الإدارة في منع حصولها.
وبالمناسبة، هذه الحقائق تنطبق على كولومبيا كذلك، لأننا منشغلون بتأييد حكومتها لحركة حماس.
فنزويلا تأخذ الأولوية بسبب العلاقة المتعثرة بيننا وبينهم ولأكثر من عقدين.
لكن في الخلاصة، تظل كل من فنزويلا وكولومبيا في مركز القلق الأمريكي لأن كلًّا منهما يمكن أن يشكل قاعدة لتهديد أمننا القومي من جانب إيران ومن يدعمونها.
بالمناسبة، الإسرائيليون لديهم المخاوف ذاتها التي تشغل تفكيرنا في الوقت الحاضر عندما يتعلق الأمر بحكومتي فنزويلا وكولومبيا.
لا أعتقد أنه إجراء احتياطي. الرئيس يريد تسجيل مزيد من المكاسب السياسية، وهو يفعل ذلك في الخارج كما هي الحال في اتفاقات السلام التي نجح فيها حتى الآن، لكن هذه الوضعية مع فنزويلا كان المحرك الأساسي فيها هو وزير الخارجية ماركو روبيو، لأنه صاحب الصوت الأعلى في الإدارة في هذا النوع من الملفات، لأن هدف روبيو هو منع كوبا من الحصول على مختلف أشكال الدعم من فنزويلا، خاصة في مجالات الطاقة ومواردها.
لقد كان هناك مسعى من الإدارة في وقت سابق للتوصل إلى اتفاق ما مع فنزويلا، لكن الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط غيرت من وجهات النظر، وقربت الرئيس أكثر من السيناريو الحالي.
أستطيع أن أقول لك إن هذا التحول في موقف الرئيس كان مدفوعًا بقوة من جانب الوزير روبيو.
أعتقد ذلك بقوة، فهو يحظى باحترام وثقة الرئيس الكبيرة، ورأينا ترامب في مناسبات عدة يشيد بروبيو بقوة ويقدمه كنائب للرئيس مستقبلًا أو ربما حتى للرئاسة مع نائبه فانس، بل ويقول عنه إنه أفضل وزير خارجية في تاريخ الولايات المتحدة.
ترامب عندما يقول هذه الأشياء فإنه يعني بها أمورًا داخلية، نعم، هو يغير رأيه عادة سريعًا، ولكني أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بسياسات الإدارة في أمريكا اللاتينية فإن روبيو يجد الآذان الصاغية دائمًا من الرئيس، بالنظر إلى أصوله القادمة من هناك وخبرته الطويلة في الكونغرس.
الرئيس لا يرغب في اضطراب كبير في فنزويلا أو في حرب أهلية، والخيار الأفضل هو عملية عسكرية خاطفة ومحدودة تحقق الأهداف سريعًا.
ولذلك فإنه لن يتحرك إلا حين اتضاح الصورة ومعرفة ما هو الخيار الأفضل والأنسب لتحقيق هدفه في إنهاء حكم مادورو.
السؤال الذي يواجه ترامب حاليًّا: هل سيكون ذلك ممكنًا وسريعًا وبأقل التكاليف؟
وللتاريخ، الولايات المتحدة قامت بعمل شبيه لهذا عام 1988 في بنما، وكان نجاحًا كبيرًا للرئيس بوش الأب حينها.
بالتأكيد أن هناك عملًا ما يتم التخطيط له في الوقت الحاضر بمركز العمليات بميامي المخصص للتعامل مع أزمات المنطقة المجاورة، ولذلك لا يُستبعد أن يكون هناك مخطط لإبقاء قوات أمريكية قريبة تحت مسميات حفظ السلام أو مراقبة الأوضاع، وأعتقد أن هذا السيناريو هو الأقرب للحدوث في المرحلة التالية، ولكني لا أعتقد أن وجودًا عسكريًّا أمريكيًّا طويل الأمد سوف يكون خيارًا مفضلًا للإدارة.
نعم، هذا صحيح، ولذلك هناك هذا التركيز الكبير في الأحاديث الرسمية عن أزمة المخدرات والعصابات المروجة لها وخطرها على أمن الأمريكيين، وهذا أمر صحيح بالمناسبة، ولذلك تلجأ الإدارة إلى القول بأن هذا التدخل نجح في إنهاء أحد أكبر مصادر إنتاج المخدرات المهددة لسلامة الأمريكيين.
ولن يكون الحديث العام عن إسقاط حكومة مادورو، وإنما إظهار ذلك على أنه نتيجة لاستهداف عصابات تهريب المخدرات.
الهدف السري هو أن النظام في فنزويلا هو عدو للولايات المتحدة ويشكل خطرًا على أمنها ويتحالف مع خصومها، وأعتقد أن هذه هي وجهة نظر الوزير روبيو.
بالتأكيد هذا ما يقول به الديمقراطيون في الكونغرس تحديداً، والرئيس تحدث عن عصابات المكسيك، ولكن من دون استخدام القوة العسكرية كما هي الحال في فنزويلا، وهذا لأن أهدافنا مختلفة هناك، لأننا نريد تغيير النظام ولا نستهدف ذلك في المكسيك.
الجميع هنا في واشنطن يعرف أن المخدرات هي مشكلة مطروحة في علاقتنا بفنزويلا والمكسيك وكولومبيا، ولكن الانشغال في فنزويلا أمني بالدرجة الأولى.
هذا هو الفارق الجوهري، فالصين حتى وإن كانت هي المصدر الأول للفنتانيل، فهي قوة عظمى، وهي على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في أكثر من جبهة واحدة عسكرياً واقتصادياً، وبالتالي ستكون المفاوضات هي الخيار الأفضل تجنباً لصدام قد يقود إلى حرب عالمية جديدة.
والأمر عندما يرتبط بكندا والمكسيك فلدَيْهما أنظمة ديمقراطية، وحتى إن كانت لدينا خلافات اقتصادية معهما.
في فنزويلا نرى نظاماً سرق الانتخابات، وهو مصدر للمخدرات، وهو مهدد لأمننا، وهذه مسألة نتشارك فيها مع حلفائنا الأوروبيين.
لا أعتقد أن المسألة هنا سياسية بالدرجة الأولى، إضافة إلى كون ملف فنزويلا ليس جديداً، فهو مطروح على الإدارات المتعاقبة طيلة خمس وعشرين عاماً كاملة، وجميع الرؤساء حاولوا تحقيق هذا الهدف في فنزويلا، بمن فيهم الرئيس السابق باراك أوباما.
نحن لم ننظر يوماً إلى الحكومة في فنزويلا على أنها شريك يمكن التعاون معه، ولذلك لا أعتقد أن هناك أهدافاً سياسية يمكن أن تتحقق للحزب الجمهوري في الداخل، ولكن أي تغيير في الداخل الفنزويلي سوف يعود بالفائدة الكبيرة على الولايات المتحدة لأنها بلد يتوفر على الكثير من الموارد النفطية.
هذه الموارد سوف تنعكس إيجاباً على شركات النفط الأمريكية، حتى لو كانت هذه الشركات تنتج الكثير حالياً، ولكن المهم ألا يتم استغلال هذه الطاقة من قبل حكومة معادية للولايات المتحدة وممولة لأجندات دول أخرى مهددة للأمن القومي كما هي الحال مع كوبا ومع إيران.