logo
العالم

وهم التفوق أم حقيقة القوة.. لماذا لا تستطيع واشنطن شن حرب على الصين؟

علما أمريكا والصينالمصدر: منصة إكس

تواجه الولايات المتحدة معضلة استراتيجية عميقة في تعاملها مع الصين، إذ لا تزال تعتمد في خططها العسكرية على مبدأ "النصر السريع" من خلال الضربات الدقيقة والتفوق التكنولوجي، وهو تصور يبدو مطمئنًا ظاهريًا لكنه في الواقع خيال خطير يفتقر إلى الواقعية العسكرية والسياسية.

وبحسب مجلة "Modern Diplomacy"، فإن الرهان على الحسم المبكر لا يتناسب مع الوضع الراهن الذي تجد واشنطن نفسها فيه من حيث القدرات الصناعية، والموارد الدفاعية، والإرادة السياسية.

وأشارت المجلة إلى أن الإصرار على تحقيق نصر سريع في أي مواجهة مع الصين يزيد من احتمالات الرد النووي الاستباقي من جانب بكين، بينما الاستعداد لحرب طويلة يطرح سؤالًا وجوديًا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك القدرة الصناعية والسياسية والاجتماعية لتحمل حرب استنزاف مع قوة بحجم الصين؛ والجواب الواقعي – كما تشير معظم التحليلات، هو: لا.

أخبار ذات علاقة

مقر "البنتاغون"

معركة غير تقليدية في آسيا.. واشنطن تنشئ كتيبة لمكافحة "التضليل الصيني"

لذلك ركزت خطط البنتاغون في السنوات الأخيرة على استهداف الأنظمة الحيوية الصينية من خلال الهجمات الإلكترونية، وتدمير شبكات القيادة والسيطرة، وقواعد الصواريخ، ومراكز الاتصالات. 

غير أن هذا النوع من الضربات قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يمكن أن تدفع بكين نحو "التصعيد العمودي" باستخدام الأسلحة النووية في المراحل الأولى من الصراع للحفاظ على قوة ردعها، لا سيما مع تدمير بنيتها التحتية الحيوية وعزل قيادتها السياسية والعسكرية.

خطر التصعيد النووي والقصور الصناعي الأمريكي

رغم أن الترسانة النووية الصينية لا تزال أصغر من نظيرتها الأمريكية، إلا أنها تنمو بسرعة، وتشير التقديرات إلى أن الصين قد تمتلك بحلول عام 2040 نحو 600 رأس نووي جاهز للاستخدام، مقابل حوالي 3700 رأس للولايات المتحدة.

لكن هذا التفاوت العددي لا يمنح واشنطن تفوقًا حاسمًا، بل يدفع الصين لتبني عقيدة الرد المبكر تحسبًا لفقدان قدرتها على الردع.

وتكمن الخطورة في أن معظم أنظمة الصواريخ الصينية ثنائية الاستخدام، ما يجعل من الصعب التمييز بين الصواريخ التقليدية والنووية.

أخبار ذات علاقة

عملية قذف قمرة القيادة من طائرة روسية

تطور بصناعة المقاتلات.. الصين تقترب من إنتاج أول قمرة قيادة قابلة للقذف بالكامل

ويعني ذلك أن أي ضربة أمريكية ضد منصات DF-21 أو DF-26 قد تُفسَّر في بكين على أنها محاولة لتدمير القدرة النووية الصينية، ما يستدعي ردًا نوويًا فوريًا.

وقد كشفت محاكاة البنتاغون أن مخزونات الصواريخ الأمريكية المضادة للسفن تنفد في غضون أيام قليلة، والذخائر بعيدة المدى خلال أسبوعين، مما يجعل استمرار العمليات العسكرية أمرًا صعبًا. 

حتى في السيناريوهات التي تحقق فيها واشنطن "انتصارًا جزئيًا" إلى جانب تايوان واليابان، تكون الكلفة باهظة: عشرات السفن الغارقة، ومئات الطائرات المدمرة، وآلاف القتلى الأمريكيين – وهي أرقام غير مقبولة سياسيًا واجتماعيًا في الداخل الأمريكي.

وعلى الصعيد الصناعي، فقدت الولايات المتحدة خلال العقود الماضية جزءًا كبيرًا من طاقتها الإنتاجية العسكرية، وباتت تعتمد على سلاسل توريد أجنبية هشة.

وأثبتت الحرب في أوكرانيا أن حتى دعمًا محدودًا لحليف أوروبي يمكن أن يستنزف المخزونات الأمريكية بسرعة، فكيف إذا كانت المواجهة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم في مسرح عمليات بعيد عن الأراضي الأمريكية؟

حدود القوة الأمريكية في حرب لا يقبلها الداخل

تتجاوز الأزمة حدود التخطيط العسكري لتصل إلى الواقع السياسي والاجتماعي الأمريكي. فبعكس حقبة الحرب الباردة، لا يوجد اليوم إجماع وطني على الدفاع عن تايوان، ولا يرى الرأي العام الأمريكي أن مصير الجزيرة يمس أمنه الحيوي. 

لذلك، فإن تحمل خسائر بشرية ضخمة وتكاليف مالية فلكية من أجل جزيرة آسيوية صغيرة يبدو أمرًا خارج نطاق التسامح الشعبي.

أخبار ذات علاقة

حاملة الطائرات الصينية فوجيان

طفرة بالقوة البحرية.. "فوجيان" تعزز قدرات الجيش الصيني في المحيطات (فيديو إرم)

وفي الحروب الطويلة، لا تكفي التكنولوجيا أو التفوق العسكري لتحقيق النصر؛ إذ تظل الإرادة الوطنية والقدرة الصناعية هي العوامل الحاسمة.

ومن دون وحدة سياسية وقدرة إنتاجية وتحمل مجتمعي، يبقى "التفوق التكنولوجي" بلا جدوى. فالتاريخ حافل بإمبراطوريات ظنت أن القوة التقنية تعوض عن الرؤية الاستراتيجية، فانتهى بها الأمر إلى الانهيار.

المخرج واضح لكنه يتطلب إرادة سياسية غائبة: على الولايات المتحدة أولًا أن تعترف بأن التفوق التكنولوجي لا يساوي الهيمنة الاستراتيجية؛ ثانيًا، إذا كانت جادة في الدفاع عن تايوان، فعليها إعادة بناء قدراتها الصناعية، وتوسيع إنتاج الذخائر، وإعداد شعبها لتكاليف الحرب الحقيقية. 

وثالثًا، يتعين عليها إحياء الدبلوماسية والردع المستدام من خلال الحوار وإدارة الأزمات والحد من مخاطر التصعيد مع بكين، بدلاً من الاعتماد على سباق تسلح محفوف بالمخاطر.

في المحصلة، لا تكمن القوة الحقيقية في عدد الصواريخ أو الطائرات، بل في الحكمة السياسية والقدرة الاقتصادية والرؤية الواقعية؛ حيث إن استمرار واشنطن في التمسك بوهم "النصر السريع" لا يقودها إلى الحسم، بل إلى حافة حرب نووية قد تطيح بالنظام الدولي بأكمله.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC