logo
العالم

نفوذ يتآكل وحلفاء يتساقطون.. كيف تعيش إيران بعد عامين من حرب غزة؟

آية الله علي خامنئيالمصدر: (أ ف ب)

بعد أيام قليلة من هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وصفت تل أبيب إيران بأنها "رأس الأخطبوط"، في إشارة إلى دورها المحوري في دعم الجماعات المسلحة التي هاجمت إسرائيل من غزة ولبنان واليمن.

وتعهدت إسرائيل حينها بقطع أذرع طهران في المنطقة، وشنت سلسلة من العمليات العسكرية الواسعة التي امتدت من قطاع غزة إلى الأراضي اللبنانية والسورية واليمنية، وصولًا إلى العمق الإيراني.

أخبار ذات علاقة

مشهد للدمار في غزة

ارتدادات 7 أكتوبر.. كيف غيرت توازنات الشرق الأوسط وتكتيكات القوى العظمى؟

وبعد مرور عامين، تبدو إيران قد فقدت الكثير من نفوذها الإقليمي، إذ تعرض حزب الله في لبنان لضربات موجعة أفقدته قادته والكثير من نفوذه وأسلحته، فيما تلقت حركة حماس ضربات قاصمة في غزة، وتعرض الحوثيون في اليمن أيضًا لضربات قاسية.

ويرى خبراء أن إسرائيل حققت في هذين العامين ما لم تكن تتصوره، إذ لم تعد حركة حماس قادرة على المواجهة، في حين يعيش حزب الله حالة من الضعف الكبير.

حماس.. خسائر فادحة

تشير تقارير إلى أن حماس تضررت بشدة لكنها لم تُهزم نهائيًا بعد عامين من الحرب، فإذا كانت تقديرات ما قبل الحرب تشير إلى وجود 25–30 ألف مقاتل في صفوفها، فقد زعم الجيش الإسرائيلي مقتل 17–23 ألفًا منهم.

لكن هذه الأرقام لم تُدعَم بأدلة موثوقة، فيما سجلت بيانات مركز الأحداث وموقع النزاع المسلح ("أكليد") حوالي 8,500 حالة قتل أو احتمال قتل من عناصر حماس والجهاد.

ونقلت وسائل إعلام عن الباحثة مارينا ميرون في "كينغز كوليج" أن حماس "تعرضت لانتكاسات لكنها لا تزال قادرة على إعادة تنظيم صفوفها والحفاظ على بنية القيادة والسيطرة".

ويقول تقرير "أكليد" إن الضربات القوية أجبرت حماس على تحويل التكتيكات، إذ باتت تعتمد على لامركزية القتال وتكتيكات حرب العصابات (كمائن وهجمات كرّ وفر)، مع تراجع كبير في الهجمات الصاروخية بعد تدمير معظم ترسانتها المعلنة، لكنها نفذت عمليات معقّدة في خان يونس وأطلقت صواريخ محدودة في سبتمبر/أيلول.

غير أن تقارير لـ"رويترز" و"فورين أفيرز" تحدثت عن دلائل على انخراط أعداد متزايدة من الشباب الفلسطينيين في كتائب القسام.

وتواصل حماس إدارة مؤسسات غزة المدنية رغم الضغوط ونفاد الموارد، فيما استهدفت الغارات الإسرائيلية بنيتها الإدارية؛ ما أضعف قدرتها الخدمية.

وتشير مجموعة الأزمات الدولية إلى فراغ أمني متزايد تملؤه مجموعات محلية، بينما يرى خبراء أن القضاء على أيديولوجية حماس عسكريًا غير ممكن، وأن أقصى ما يمكن لإسرائيل تحقيقه هو تقليص قدراتها.

حزب الله.. أزمة وجود

يعيش الحزب واحدة من أعمق أزماته منذ تأسيسه، إذ خسر معظم قياداته العسكرية البارزة، وتعرضت ترسانته لضربات إسرائيلية شلت قدراته الميدانية.

ومع مقتل نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين، تهاوت منظومة الردع التي بناها الحزب منذ العام 2006، فيما تراجع نفوذه الإقليمي بانحسار الدعم الإيراني وسقوط النظام السوري الذي شكّل له شريان الإمداد الحيوي.

وأسفرت الهزيمة العسكرية عن تغييرات غير مسبوقة في المشهد اللبناني، تمثلت بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتشكيل حكومة نواف سلام التي التزمت بحصر السلاح بيد الدولة.

ويرى محللون أن حزب الله فقد دوره كأداة ردع إيرانية على حدود إسرائيل، وأنه يواجه مأزق التحول إلى حزب سياسي داخلي أو الاستمرار في إنكار الهزيمة.

سقوط الأسد.. انقطاع الإمداد

في ديسمبر/كانون الأول 2024، انهار نظام الرئيس السوري بشار الأسد بشكل مفاجئ بعد هجوم واسع شنته فصائل مسلحة.

هذا الحدث شكل ضربة قاصمة لإيران، حيث فقدت الاتصال البري المباشر بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا؛ ما أثر سلبًا على قدرة إيران على دعم حزب الله.

وفي الوقت نفسه، انسحب العديد من الميليشيات الإيرانية من سوريا؛ ما زاد من ضعف المحور الإيراني في المنطقة.

وفي العراق، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا متزايدة على الحكومة العراقية لتفكيك الميليشيات المدعومة من إيران، مثل "الحشد الشعبي".

اليمن.. الحوثيون تحت الضغط

في اليمن، استهدفت القوات الإسرائيلية معسكرات ومواقع حوثية؛ ما أسفر عن مقتل العديد من عناصر الميليشيا على رأسهم رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعدد من الوزراء.

هذا الهجوم شكل ضربة كبيرة للحوثيين، الذين يشكلون جزءًا من المحور الإيراني.

وواصلت إسرائيل شن هجمات واسعة على الحوثيين بعد بدء الحرب، استهدفت مراكز حساسة ومواقع اقتصادية وبنى تحتية، ودفعت تحالفًا دوليًا بقيادة الولايات المتحدة إلى المشاركة في الضربات لفترة مؤقتة.

إيران: عزلة اقتصادية وعسكرية

على الصعيد الداخلي، تواجه إيران سلسلة أزمات هي الأعمق منذ حربها مع العراق، بعد أن تعرضت سفاراتها ومواقع مرتبطة بالحرس الثوري في سوريا لهجمات متكررة نفذتها إسرائيل، أسفرت عن مقتل عدد من الجنرالات والمسؤولين العسكريين.

وردت طهران بقصف صاروخي استهدف الأراضي الإسرائيلية مرتين، قبل أن تشن إسرائيل والولايات المتحدة هجمات غير مسبوقة طالت منشآت نووية ومواقع عسكرية داخل إيران، إلى جانب عمليات اغتيال طالت علماء وضباطًا بارزين؛ ما وضع طهران تحت ضغط دولي مكثف.

وتصاعدت الضغوط الأمريكية والدولية على إيران بسبب برنامجها النووي، بالتوازي مع فرض عقوبات اقتصادية قاسية أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات التضخم؛ ما زاد من حدة الأزمات الداخلية في البلاد.

"تموضع قسري"

كل هذه التطورات، كما يرى المحلل السياسي حسن الخالدي، تشير إلى أن إيران تواجه اليوم مرحلة إعادة تموضع قسري، بعدما تقلّصت قدرتها على التأثير المباشر في ملفات المنطقة، وتزايدت هشاشتها الداخلية بفعل العقوبات والضغوط المعيشية.

ويضيف الخالدي لـ"إرم نيوز" أن التطورات دفعت إيران إلى الانتقال من سياسة "الهجوم عبر الوكلاء" إلى سياسة "الدفاع عن المركز".

ورغم ذلك، يرى المحلل السياسي أن التحول لا يعني نهاية الدور الإيراني، لكنه كشف تراجع "زمن النفوذ" الذي كانت تمارسه طهران عبر شبكة من الحلفاء في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وفرض على طهران واقعًا مختلفًا عنوانه "البقاء في اللعبة بشروط الآخرين".

ووضعت الحرب إيران، بحسب الخالدي، أمام خيارين: الأول أن تبحث طهران عن تسوية تضمن لها بقاءً منضبطًا في المعادلة الإقليمية، أو تواجه المزيد من الانعزال والإنهاك الداخلي، وهو سيناريو يهدد النظام الديني القائم.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC