شهدت البحار حول شرق آسيا في ديسمبر 2025، أكبر عملية نشر بحري صينية حتى الآن، حيث امتدت المناورات الشتوية من جنوب البحر الأصفر إلى بحر الصين الشرقي والجنوبي، وصولاً إلى أعماق غرب المحيط الهادئ.
وبحسب تقارير استخباراتية وتصريحات لمسؤولين إقليميين، تجاوز عدد السفن في ذروة الانتشار الـ100 سفينة، مع بقاء نحو 90 سفينة عاملة في سلسلتي الجزر الأولى والثانية.
ويعتبر المراقبون هذا النشاط أكبر استعراض للقوة البحرية الصينية على الإطلاق، وتزامن مع رفع اليابان لتصريحاتها المؤيدة لتايوان وزيادة ميزانية الدفاع التايوانية، وفق مجلة "The Diplomat".
وبينما تصر الصين على أن هذه المناورات روتينية، يشير حجم الانتشار وطبيعته إلى رسائل استراتيجية واضحة لدول المنطقة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين.
أكثر من مجرد تدريب
يرى بعض المحللين أن التركيز الأساسي في هذه المناورات لا يقتصر على القتال البحري بل يشمل اختبار الدعم اللوجستي والتنسيق بين الوحدات البحرية عبر مسارح متعددة.
هذا أمر بالغ الأهمية، خصوصاً بعد حادثة التصادم بين سفن البحرية وخفر السواحل في أغسطس 2025، والتي أظهرت هشاشة التنسيق بين الوكالات المختلفة.
تمثل المناورات فرصة لضباط الأركان وقادة الفرق البحرية لتعزيز مهارات القيادة والسيطرة، وضمان التنسيق السلس بين مختلف القوات.
ورغم أن هذه التدريبات ليست مناورات مشتركة تشمل الجيش والقوات الجوية وقوات الصواريخ وخفر السواحل، مثل "السيف المشترك" أو "رعد المضيق"، إلا أنها تثبت قدرة البحرية الصينية على تنفيذ عمليات متعددة الأطراف ومستدامة في البحار البعيدة، حتى في ظروف الشتاء القاسية.
ويشير المحللون إلى أن مثل هذه التدريبات تمنح بكين القدرة على الضغط المتقطع على الدول المحيطة عبر اختراقات سلسلة الجزر الأولى، في إشارة إلى النفوذ المحتمل في بحر الصين الشرقي والجنوبي والمحيط الهادئ الغربي.
رسائل استراتيجية ودبلوماسية القوة
على الرغم من أن المناورات تصنف رسميًا كتدريب روتيني، إلا أن توقيتها يحمل بُعدًا دبلوماسيًا واضحًا. فقد جرت قبل إعلان الولايات المتحدة لاستراتيجيتها المحدثة للأمن القومي في ديسمبر، والتي أكدت على تعزيز التعاون مع دول سلسلة الجزر الأولى.
تُشير المناورات الصينية إلى رسالة مباشرة إلى واشنطن وحلفائها: بكين مستعدة لاستخدام قوتها البحرية ليس فقط كأداة تدريب، بل كأداة للضغط الاستراتيجي والإقليمي.
تاريخياً، كانت البحرية الصينية تتجنب الانتشار بعيد المدى في فصل الشتاء بسبب الأحوال الجوية ومحدودية الأسطول.
ومع التوسع السريع في حجم القوات البحرية وقدراتها اليوم، أصبح جيش التحرير الشعبي الصيني قادراً على تنفيذ عمليات بحرية متعددة ومستدامة، مع قدرة على توجيه رسائل استراتيجية للمنطقة وللولايات المتحدة.
في المجمل، تشير هذه المناورات إلى تحول جوهري في طبيعة البحرية الصينية: من قوة ساحلية محدودة إلى قوة بحرية إقليمية قادرة على العمل في مسارح متعددة، مع رسالة واضحة عن استعداد بكين لدعم مصالحها الإقليمية والرد على التحولات السياسية الأمريكية، في إطار استعراض قوة لا يقتصر على التدريب بل يشمل الدبلوماسية العسكرية.