في خطوة لافتة تحمل أبعادًا سياسية ورسائل مبطنة، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نظيره الأمريكي دونالد ترامب، إلى لعب دور مباشر في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مستشهدًا بنجاحه الأخير في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وأشار زيلينسكي إلى أن هذا الإنجاز "يثبت قدرة ترامب على إقناع الأطراف المتحاربة بوقف القتال"، والتوصل إلى تسوية سياسية، داعيًا إلى أن تمتد تلك الجهود إلى أوروبا الشرقية حيث تستمر الحرب بلا أفق واضح.
ويرى مراقبون أن هذه الدعوة تعكس إدراك كييف لحجم الجمود الذي يخيم على ساحة الصراع، وسعيها لاستغلال نفوذ ترامب الدولي، في ظل تراجع الدعم الغربي وتزايد الضغوط الميدانية.
لكن الخبراء أكدوا أن الحرب الأوكرانية تختلف جذريًا عن نزاع غزة، خاصة أنها تتشابك فيها حسابات "التوازنات الكبرى" بين واشنطن وموسكو، إلى جانب مصالح حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والصين.
وأضافوا أن "عجز ترامب عن إنهاء الحرب"، رغم وعوده الانتخابية، يعود إلى تعقيد الملف وتشعب المصالح، فروسيا ليست خصمًا يمكن الضغط عليه بسهولة، وتمتلك أوراق قوة سياسية وعسكرية تجعل أي تسوية مفروضة غير قابلة للتطبيق.
وبهذا الإطار، قال مدير شبكة الجيواستراتيجي للدراسات، إبراهيم كابان إن الحرب الأوكرانية الروسية لا يمكن مقارنتها بصراعات أخرى مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نظرًا لاختلاف موازين القوى والوقائع الجيوسياسية على الأرض.
وأكد كابان، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن روسيا "خصم لا يُستهان به"، وتمتلك من عناصر القوة ما يجعل من المستحيل فرض الحلول عليها، حتى من قبل الولايات المتحدة.
وأوضح أنه في الحالة الفلسطينية كانت إسرائيل الطرف الأقوى، وكان الفلسطينيون الطرف الأضعف، لهذا استطاعت إدارة ترامب أن تفرض حلًا منحازًا لإسرائيل، أما في الحالة الروسية فالوضع مختلف تمامًا، فروسيا ليست دولة يمكن الضغط عليها بسهولة.
وأضاف كابان أن موسكو، رغم ضعفها الاقتصادي مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، تمتلك قدرات عسكرية كبيرة وعضوية دائمة في مجلس الأمن وحق النقض "فيتو"، إلى جانب شبكة حلفاء استراتيجيين مثل الصين.
وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني يتعامل مع الأزمة أحيانًا "بنقص في الواقعية"، متجاهلًا الوجود العسكري والسياسي الروسي.
وأكد كابان أنه إذا حاولت إدارة ترامب مستقبلًا فرض حل لإنهاء الحرب، فلن يكون موجهًا ضد روسيا، بل على حساب أوكرانيا، خاصة أن موسكو لن تخرج من الحرب خالية اليدين، بل تسعى إلى تثبيت مناطق نفوذ وضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو.
وشدد على أنه لا يمكن لأي إدارة أمريكية، سواء بقيادة ترامب أو غيره، أن تفرض حلًا على روسيا بالقوة، أو من طرف واحد، لأن موسكو تملك أوراق ضغط استراتيجية لا يمكن تجاهلها.
وأوضح كابان أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرب شاملة، وبالتالي فإن أي خطة سلام مستقبلية تحتاج إلى تفاهم متبادل، لا إلى فرض أمر واقع على طرف يمتلك من النفوذ والقوة ما يكفي لتعطيل أي مشروع غير متوازن.
من جانبه، قال أستاذ الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رامي القليوبي، إن الرئيس الأمريكي عاجز عن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، نظرًا للطبيعة المعقدة لهذا الصراع، الذي لا يقتصر على كونه نزاعًا بين دولتين، بل يحمل ملامح حرب أهلية، ويتداخل فيه البُعدان التاريخي والجيوسياسي بشكل عميق.
وأشار القليوبي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى أن الحرب تتسم بتركيبة مركّبة تجعل من الصعب حسمها سياسيًا أو عسكريًا في الأمد القصير، فهي ليست نزاعًا تقليديًا يمكن تسويته بالمفاوضات أو الضغوط الدولية فقط.
وتابع: "من الناحية الميدانية هناك مأزق استراتيجي واضح"، خاصة أن روسيا تواصل التقدم على الأرض، إلا أن هذا التقدم يتم بوتيرة بطيئة جدًا، فمنذ بداية العام الجاري سيطرت القوات الروسية على ما يقارب 5000 كيلومتر مربع فقط من الأراضي الأوكرانية، أي نحو 1% من مساحة البلاد، مقارنة بسيطرتها على 20% في السنوات الأولى للحرب".
وأشار القليوبي إلى أن هذا الجمود لا يقتصر على الميدان فقط، بل يشمل أيضًا المسار السياسي، إذ لا توجد حاليًا مفاوضات جدية أو بيئة دولية تسمح بإطلاق عملية سلام فعالة، ما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب بانتظار نضوج ظروف موضوعية لإنهائها.
وشدد على أنه من الخطأ الاعتقاد بأن وجود ترامب في البيت الأبيض كفيل وحده بإنهاء الحرب، لأن السياسة الأمريكية تجاه روسيا وأوكرانيا "تبنى على اعتبارات استراتيجية طويلة المدى ولا تتغير بتبدل الأشخاص".
وأكد القليوبي أن ما يطرحه ترامب بشأن قدرته على إنهاء الحرب بسرعة لا يعدو كونه "خطابًا سياسيًا للاستهلاك الداخلي أكثر منه خطة مدروسة قابلة للتنفيذ".