أفسدت تطورات الأسبوع الأخير استعدادات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتنصيبه في البيت الأبيض لبدء ولاية ثانية، وهو سيناريو لم يكن الرئيس الجمهوري يتمنى حدوثه.
فريق الدفاع عن الرئيس المنتخب رافع بقوة في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بأن الرئيس السابق وبعد فوزه في الانتخابات بات محصنًا رئاسيًا، وتبعًا لذلك فإن جميع القضايا التي كان يُلاحق فيها يجب أن تسقط قانونًا أمام حقه في الحصانة الرئاسية، وحتى تلك القضايا التي يعتقد خصومه بإمكانية الاستمرار في ملاحقته بشأنها لن يكون من حقهم فعل ذلك خلال فترة خدمته الرئاسية، وعليهم الانتظار إلى حين مغادرته البيت الأبيض والتحول إلى رئيس سابق بعد 4 سنوات من الآن، وحينها سيكون من حقهم إعادة إحياء القضايا المرفوعة ضده.
وكان هذا هو السيناريو الذي توقعه فريق الدفاع عن ترامب، وهو سيناريو تحققت أجزاء غير بسيطة منه بعد إعلان المستشار السابق لوزارة العدل جاك سميث استقالته من منصب المستشار، وإنهاء متابعة ترامب في التهم المتصلة بقضيتي التدخل في نتائج الانتخابات، والهجوم على مبنى الكابيتول، في السادس يناير 2021، إضافة إلى ملف الوثائق السرية الرئاسية.
لكن هذا السيناريو ترفض محكمة مانهاتن تطبيقه في القضية التي كان ترامب قد صدرت أحكام بحقه من قبل هيئة المحلفين للمحكمة الصيف الماضي والتي أُدين خلالها ترامب في جميع التهم الموجهة إليه، وبقي الاتفاق منذ ذلك الحين عالقا بين قضاة المحكمة وفريق الدفاع عن ترامب بشأن موعد إعلان الأحكام القضائية في الاتهامات للرئيس المنتخب، حاليًا، والرئيس السابق والمرشح الرئاسي حينها.
عودة إلى قاعة المحكمة مجددًا
وسيكون ترامب مطالبًا، بعد رفض قاضي محكمة مانهاتن "خوان مرتاشان" الالتماس المقدم من محامي ترامب بالعودة مجددًا إلى قاعة المحكمة، في 10 يناير المقبل، وذلك لسماع الأحكام الصادرة بحقه قبل 10 أيام من موعد تنصيبه في العاصمة واشنطن كرئيس للولايات المتحدة.
قاضي المحكمة أعلن أنه لن يُصدر أحكامًا بالسجن ضد ترامب، لكن الرئيس الجمهوري لم يخفِ انزعاجه من قرار المحكمة، واعتبر ذلك تشويشًا عليه وعلى سمعته قبل مباشرته ولايته بصفته الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة.
وعاد ترامب إلى توجيه الاتهامات للمحكمة مرة أخرى بأنها تتعامل معه وفق أجندة سياسية تخدم خصومه الديمقراطيين خاصة في الجزء المرتبط باختيار هذا التوقيت الدقيق لإعادة الحديث عن القضية التي يتهم فيها ترامب بدفع مبالغ مالية لممثلة إباحية سابقة (ستورمي دانيالز) مقابل صمتها عن الحديث في قضية العلاقة التي جمعته بها خلال حملة انتخابات الرئاسة العام 2016.
مشهد العودة إلى المحكمة مرة أخرى ليس هو المشهد الوحيد الذي يغضب ترامب في الوقت الحاضر، بل هناك حدث آخر.
عندما أعلن الرئيس جو بايدن الحداد الوطني على وفاة الرئيس السابق جيمي كارتر عن 100 عام قبل نهاية العام الماضي بولاية جورجيا كان بذلك ينفذ قرارًا رئاسيًا يعود إلى العام 1954، ووقعه الرئيس أيزنهاور وقتها، والذي يقضي بأن يعلن الحداد الوطني وتنكس الأعلام في حال وفاة رئيس أمريكي سابق أو حالي فوق المباني الحكومية الفيدرالية، ومن بينها الكونغرس، والبيت الأبيض، لمدة 30 يومًا فيما يحدد القانون مدة الحداد بالنسبة لنيابة الرئيس خلال خدمته لمدة 10 أيام، وكذلك رئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، لكن هذا القانون تم تعديله حيث تقتصر مدة الحداد على الفترة ما بين إعلان الوفاة والدفن، وهذا أمر ينطبق على نواب الرؤساء السابقين، وقضاة المحكمة العليا، والوزراء، وزعيمي الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
والقانون ذاته يتيح للرئيس إعلان الحداد الوطني وتنكيس الإعلام ليوم واحد حدادًا على وفاة شخص أو مجموعة من الناس، وهو ما فعله ترامب خلال ولايته الأولى، كما يتيح القانون للرئيس تنكيس الأعلام على وفاة شخص أجنبي كما فعل الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما حدادًا على رحيل رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا.
الجديد هذه المرة هو تزامن إعلان فترة الحداد التي أقرها البيت الأبيض حزنًا على وفاة الرئيس الراحل كارتر مع فترة تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب والتي ستتم في العاصمة واشنطن، في 20 يناير المقبل، وهو الفترة التي سيكون فيها قرار تنكيس الأعلام الوطنية لايزال قيد التنفيذ باعتبار أن الثلاثين يومًا المعلنة تمتد إلى غاية 28 من يناير الحالي.
في هذه الحالة سيكون على ترامب أن يؤدي اليمين الدستورية، وأن تتم جميع احتفالات تنصيبه بأعلام منكَّسة سواء خلال لحظات أداء القسم على منصة التنصيب في مبنى الكونغرس أو خلال مراسيم دخوله البيت الأبيض.
ترامب أعلن استياءه من هذا القرار متهمًا الديمقراطيين بالتشويش عليه من خلال منصته للتواصل، كما اتهمهم بالشماتة بتنكيس أعلام أمريكا خلال مراسم عودته إلى البيت الأبيض.
ويعتقد ترامب وأنصاره أن بايدن كان بإمكانه تقليص فترة الحداد الوطني، إلا أنه فضَّل التمسك بالنص القانوني الأصلي الذي مضى عليه أكثر من 70 عامًا حرصًا منه على احترام تقاليد الرئاسة الأمريكية، كما يقول الديمقراطيون الذين يضيفون إلى ذلك أن بايدن ملتزم أيضًا بالحضور إلى مراسم تنصيب خلفه ترامب عملاً بتقاليد الرؤساء الأمريكيين، على عكس ترامب الذي كان قد فضَّل، قبل 4 سنوات، الغياب عن حفل تنصيب الرئيس بايدن حينها في سابقة رئاسية أثارت الكثير من الجدل واللغط.