قال خبراء سياسيون فرنسيون إن نتائج التصويت داخل البرلمان الأوروبي تكشف أحيانًا التوجهات السياسية الحقيقية بشكل أوضح مما تفصح عنه الخطابات العلنية، مؤكدين أن التصويت الأخير المتعلق بالسياسة الدفاعية الأوروبية يمثل لحظة كاشفة في مسار السعي نحو الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي.
من جانبه، يرى الباحث السياسي الفرنسي نيكولا شوفان، المتخصص في شؤون الدفاع الأوروبي لدى معهد العلاقات الدولية الفرنسية (IFRI)، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "تصويت نواب حزب ميلوني ضد برنامج إديب يعكس معضلة قائمة بين الخطاب السياسي الشعبوي والالتزامات الأوروبية الجماعية".
وأشار شوفان إلى أن "اليمين القومي الأوروبي، رغم خطابه السيادي، يواجه صعوبة في دعم أي مبادرة تعزز التكامل الأوروبي الحقيقي، حتى عندما تكون في مصلحة الأمن القومي الجماعي".
بدوره، يعلّق الباحث السياسي الفرنسي بول موران، من مركز الدراسات الأوروبية التابع لمؤسسة "Fondapol"، لـ"إرم نيوز"، قائلاً: "ما يحدث في بروكسل يسلط الضوء على خطوط تصدع عميقة داخل اليمين الأوروبي بين تيارات ترغب في تعزيز أوروبا قوية ومتماسكة، وأخرى تخشى أي خطوة قد تعني تراجعًا عن السيادة الوطنية لصالح المؤسسات الأوروبية".
تصويت حزب "فراتيلي ديتاليا" ضد برنامج الدفاع الأوروبي يعكس تحديًا أمام مساعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز استراتيجيته الدفاعية المستقلة، خاصة مع التوترات الدولية الراهنة وتراجع الاعتماد الأوروبي التقليدي على الحماية الأمريكية.
ويحذر الخبراء من أن استمرار هذا النوع من الانقسامات السياسية قد يعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق "السيادة الدفاعية" الأوروبية المنشودة، ويضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل كقوة استراتيجية موحدة على الساحة الدولية.
ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقبلة، سيكون من المهم مراقبة كيف ستنعكس هذه الانقسامات الداخلية على الخطابات الانتخابية، وما إذا كانت برامج مثل "إديب" ستصمد أمام تحديات السياسة الداخلية المتشعبة داخل الدول الأعضاء.
وفي يوم الخميس الماضي، وبينما كانت لجنتا الدفاع (SEDE) والصناعة (ITRE) في البرلمان الأوروبي تعتمدان برنامج "إديب" (برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية)، الذي يُعد أول محاولة فعلية لبناء صناعة دفاعية أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة، صوّت النواب الإيطاليون المنتمون إلى حزب "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) بزعامة جورجيا ميلوني ضد البرنامج بالكامل.
خمسة نواب مثلوا الحزب في هذه اللجان المشتركة: إلينا دوناتسان، كيارا جيما، ميكيلي بيكارو، فرانشيسكو تورسيلي، وماريا تيريزا فيفالديني. وقد جاء تصويتهم موحدًا ومتماسكًا، إذ رفضوا نص البرنامج نفسه وكذلك تفويض التفاوض مع مجلس الاتحاد الأوروبي.
تمايز بين الكتل المعارضة
يذكر أن هذا الموقف المتماسك لم يكن سائدًا بين بقية الكتل التي أبدت معارضتها للمشروع. ففي بعض الحالات، صوّت أعضاء مجموعات أخرى ضد النص، لكنهم وافقوا على منح تفويض التفاوض، أو العكس، مما أظهر تباينًا داخل تلك الكتل حول كيفية التعامل مع المشروع الأوروبي الناشئ.
ويهدف برنامج "إديب" إلى تعزيز استقلالية الصناعة الدفاعية الأوروبية عبر دعم البحث والتطوير المشتركين بين الدول الأعضاء، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية. ويُعد اعتماده في اللجان المشتركة خطوة حاسمة نحو إدراجه رسميًا في أجندة البرلمان الأوروبي.