ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
تعيش نيجيريا، أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد في القارة، لحظة جيوسياسية معقدة مع تحوّلها إلى محور تنافس مباشر بين الولايات المتحدة والصين.
ففي الأسابيع الماضية، فجّر تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل العسكري بذريعة حماية المسيحيين ردّ فعل صينيًا حادًا، عزّز الانطباع بأن البلد الغربي الإفريقي أصبح ساحة معركة سياسية وإعلامية بين القوتين العظميين.
الخطاب التصعيدي من واشنطن قابلته بكين بتأكيد "عدم التدخل"، في محاولة واضحة لتعزيز حضورها كصديق أكثر احترامًا لسيادة الدول، حسب مجلة "فورين بوليسي".
وبين هذا وذاك، يجد النيجيريون أنفسهم أمام مشهد دولي تتقاطع فيه المخاوف الأمنية الداخلية مع مصالح خارجية متشابكة، يخشى كثيرون أن تُغرق البلاد في دوامة صراع لا علاقة لها بمصالحهم الحقيقية.
ردّ صيني يعكس معركة أعمق على النفوذ
بدأ التصعيد الأخير عندما هدد ترامب باتخاذ "إجراءات عسكرية" ضد نيجيريا متهمًا الحكومة بالفشل في حماية المسيحيين الذين يتعرضون لهجمات من جماعات مسلحة مثل بوكو حرام و"قطاع الطرق" وبعض رعاة الفولاني.
ورغم أن إدارة ترامب السابقة كانت قد صنّفت نيجيريا عام 2020 دولة مثيرة للقلق في مجال الحرية الدينية، فإن لهجة التهديد العسكري تُعتبر سابقة.
استغلت الصين اللحظة سريعًا لتقديم نفسها كقوة "حامية للسيادة الإفريقية"، المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ وصفت تصريحات ترامب بأنها تدخل مرفوض، بينما أكد السفير الصيني في أبوجا استعداد بلاده لدعم نيجيريا في مكافحة الإرهاب "دون شروط سياسية".
يرى محللون أن هذا الخطاب لا يعكس فقط التوتر المتزايد بين ترامب وبكين منذ عودته إلى السلطة، بل أيضًا رغبة الصين في تصوير واشنطن كقوة متهورة تتذرع بحقوق الإنسان لتحقيق نفوذ سياسي.
ويقول جيمس بارنيت، الباحث في معهد هدسون، إن بكين تستفيد من هذه الأزمة لتقديم نموذج "شريك يحترم السيادة" في مقابل "القوة الأمريكية المتدخّلة".
مصالح اقتصادية هائلة
تغذي المصالح الاقتصادية الضخمة للصين تطور خطابها السياسي تجاه نيجيريا، فالصين هي أكبر شريك تجاري للبلاد، بحجم تبادل يصل إلى 21.9 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات كبيرة في الذهب والنحاس والليثيوم والأخشاب.
ورغم الدور الذي تلعبه هذه الاستثمارات في الاقتصاد النيجيري، فإن قطاعًا واسعًا من النيجيريين يرى أن الشركات الصينية تستغل البيئة التنظيمية الضعيفة وتُفاقم التوترات المحلية عبر الارتباط بشبكات فساد وجماعات مسلحة.
في المقابل، تجنح واشنطن إلى خطاب يقوم على الحقوق والحريات، لكن محللين مثل إيميكا أوميجي يرون أن كلًا من الولايات المتحدة والصين تتعامل مع نيجيريا باعتبارها "جائزة استراتيجية".
ويضيف أوميجي أن "لا دولة من الدولتين تضع مصلحة نيجيريا في المقدمة"، معتبرًا أن ما يجري ليس سوى فصل جديد من صراع النفوذ على قلب إفريقيا.
وتتجلى هذه المخاوف الشعبية في انتشار رواية مفادها أن القوى الأجنبية، سواء كانت الولايات المتحدة أم الصين، تتسابق لتعزيز حضورها في نيجيريا عبر الاستثمار في الفوضى، وبخاصة في مناطق غنية بالثروات الطبيعية.
ويربط كثيرون هذا الاعتقاد بتاريخ شركات النفط العالمية في دلتا النيجر وما ارتبط بها من صراعات مزمنة.
سبب إنساني يتحول إلى أداة سياسية
تواجه نيجيريا أزمة أمنية معقدة، إذ تستهدف هجمات الجماعات المسلحة المدنيين من مختلف الانتماءات الدينية، لكن الهجمات ضد المسيحيين حظيت باهتمام دولي مكثف نتيجة ضغوط لوبيات سياسية ودينية في الولايات المتحدة.
في عام 2025 وحده، وثّق تقرير مقتل 3100 مسيحي واختطاف 2830 آخرين.
هذه الأرقام كانت مادة دسمة للسياسيين الأمريكيين، إذ قدم السيناتور تيد كروز قانونًا لمعاقبة المسؤولين النيجيريين المتهمين بالتقصير في حماية المسيحيين.
كما صنفت الخارجية الأمريكية نيجيريا مرة أخرى دولة "مثيرة للقلق بشكل خاص"، وهي الفئة نفسها التي تضم دولًا كالصين وكوريا الشمالية.
غير أن مراقبين نيجيريين يخشون من تحول قضية حقيقية — وهي عنف الجماعات الجهادية — إلى ذريعة لتدخلات خارجية.
ويرى القس والباحث إيمانويل أوجيفو أن معاناة المسيحيين أمر لا جدال فيه، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن الأزمة أعقد بكثير من تصويرها كمواجهة دينية بين مسلمين ومسيحيين، إذ إن التنظيمات المسلحة تستهدف الجميع بلا تمييز.
ومع ذلك، يعتبر أوجيفو أن الضغوط الأمريكية يمكن أن تكون "إيجابية" إذا دفعت الحكومة النيجيرية لتحمل مسؤوليتها في حماية مواطنيها وضمان الحريات الدينية.
نيجيريا تبحث عن طريق ثالث
في ظل اشتداد المنافسة الأمريكية الصينية، يشعر كثير من النيجيريين بأن بلادهم تتحول إلى "بيادق على رقعة شطرنج"، كما يقول الباحث أوميجي.
وينادي خبراء بضرورة تبني نهج خارجي مستقل يحمي مصالح نيجيريا أولًا، بدل الانجرار إلى تحالفات مفروضة بقوة المصالح الخارجية.
ويبدو أن ما تحتاجه نيجيريا اليوم، وسط التهديدات الأمريكية والتدخلات الاقتصادية الصينية، هو إعادة بناء المؤسسات الأمنية والاقتصادية، واستعادة الثقة الداخلية، وتثبيت موقعها كقوة إقليمية قادرة على التفاوض الندّي مع القوى الكبرى، بدل أن تكون ساحة للصراع بينها.
فالمعركة لم تعد فقط على النفوذ؛ بل على تعريف من يملك الحق في رسم مستقبل نيجيريا.