قال خبيران فرنسيان في شؤون الهجرة إن نتائج الانتخابات النرويجية الأخيرة، التي شهدت فوزًا ضيقًا لليسار مقابل اختراق تاريخي لليمين الشعبوي المناهض للهجرة، تعكس مسارًا أوسع للمشهد الأوروبي، حيث باتت قضايا الهجرة والهوية في قلب كل استحقاق انتخابي.
وقال البروفيسور فرنسوا جيمينيه، الباحث في قضايا الهجرة والتغيرات الديموغرافية بجامعة لييج والمرتبط بمعهد العلوم السياسية في باريس، في تصريح خاص لـ" إرم نيوز"، إن "النجاح الذي حققه حزب التقدم (FrP) بزعامة سيلفي ليستوهاوغ يعكس دينامية متصاعدة تستغل المخاوف الشعبية من فقدان السيطرة على الحدود، حتى في دولة غنية ومزدهرة مثل النرويج".
وأضاف أن "هذا التطور ليس مجرد حالة محلية، بل يرسل إشارة قوية إلى بقية أوروبا، خصوصًا فرنسا وألمانيا، حيث الأحزاب اليمينية المتطرفة تسعى إلى جعل ملف الهجرة ورقة انتخابية مركزية".
وشدد جيمينيه على أن "اليسار النرويجي نجح، ولو بصعوبة، في الحفاظ على الحكم لأنه قدّم خطابًا يقوم على الاستقرار والقدرة على إدارة الأزمات، لا سيما الاقتصادية والطاقوية".
من جانبه، اعتبر الباحث الفرنسي باتريك وييمان، أستاذ القانون والسياسات العامة في جامعة باريس 1 – بانتيون سوربون، لـ"إرم نيوز"، أن ما جرى في أوسلو "يدل على أن معسكر اليمين الشعبوي بات أكثر قدرة على التحول إلى قوة معارضة كبرى، وهو ما قد يؤثر في الموازين داخل الاتحاد الأوروبي نفسه".
وأضاف أن "الأداء غير المسبوق لليمين الشعبوي في النرويج يجعله لاعبًا رئيسيًا في المعارضة، الأمر الذي قد يغيّر من موازين القوى داخل أوروبا"، موضحاً أن "الخطاب المناهض للهجرة لم يعد هامشيًا، بل صار ورقة أساسية في الحملات الانتخابية، تستغل المخاوف الشعبية وتضع الأحزاب التقليدية في موقع الدفاع".
وأوضح أن "القضية لا تتعلق فقط باللاجئين أو المهاجرين الجدد، بل أيضًا بكيفية استغلال هذا الملف لتقويض الأحزاب التقليدية عبر خطاب تبسيطي يعد بالحلول السريعة، ما يشبه التجارب التي نراها في فرنسا مع التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان".
ويرى الخبير السياسي الفرنسي أن استمرار صعود هذه التيارات قد يؤدي إلى إعادة تعريف سياسات اللجوء الأوروبية، بحيث تصبح أكثر تشددًا، وهو ما سيضع فرنسا أمام تحديات جديدة في الداخل والخارج.
وأضاف أنه من جهة، قد يستخدم ملف الهجرة لتعزيز الاستقطاب السياسي المحلي، ومن جهة أخرى، قد تجد باريس نفسها أمام شريك أوروبي (أو أكثر) يضغط باتجاه سياسات أكثر صرامة، ما يهدد وحدة الموقف الأوروبي في مواجهة أزمات مثل الحرب في أوكرانيا أو النزاعات في إفريقيا.
وفازت أحزاب اليسار في النرويج بالانتخابات التشريعية الأخيرة، ما يسمح لرئيس الوزراء العمالي يوناس غار ستور بالاحتفاظ بالسلطة لولاية جديدة. وعلى الرغم من الانتصار، فإن الأغلبية البرلمانية التي حصل عليها اليسار تبقى ضئيلة للغاية، إذ نال 87 مقعدًا من أصل 169 بعد فرز معظم الأصوات، بحسب مجلة "لونوفل أوبسيرفاتور" الفرنسية.
في المقابل، حقق حزب التقدم الشعبوي المناهض للهجرة بقيادة سيلفي ليستهاوغ أفضل نتيجة في تاريخه، بحصوله على نحو 24% من الأصوات، ليصبح القوة السياسية المعارضة الأولى في البرلمان، متقدمًا على المحافظين التقليديين.
وبرز هذا التقدم خصوصًا بفضل أصوات الشباب، ما يؤشر إلى تحوّل في الخريطة السياسية النرويجية.
وركزت الحملة الانتخابية بشكل أساسي على قضايا داخلية مثل القدرة الشرائية والخدمات العامة والضرائب، لكنها تأثرت أيضًا بالسياق الدولي المتوتر، من الحرب في أوكرانيا إلى سياسات دونالد ترامب.
ومع بقاء خلافات كبيرة بين أحزاب اليسار، ينتظر أن يواجه ستور تحديات في تمرير قوانينه والبحث عن تسويات مع شركائه المحتملين، خاصة حول ملفات الطاقة والبيئة.