يُظهر نهج الرئيس، دونالد ترامب، تجاه أمريكا اللاتينية محاولة واضحة لتعزيز النفوذ في المنطقة، سواء من خلال صفقات اقتصادية أو استخدام القوة العسكرية، متجاوزاً أزمات داخلية وتعثّر دبلوماسيّته خارجياً، حيث يفقد نفوذه العالمي أمام قوى مثل روسيا والصين.
ووفق تقرير لموقع "ذا إنترسبت" اتّجه إلى التصعيد في أمريكا اللاتينية للتشتيت عما يواجهه داخلياً وخارجياً، ولبسط سيطرته على أمريكا اللاتينية عبر توازن هش بين الصفقات الاقتصادية والقوة العسكرية، لكن الصراع الداخلي قد يؤدي إلى تصعيد خطير، يهدد الاستقرار الإقليمي ويعكس ضعف واشنطن العالمي.
وفي الثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري، نشر ترامب فيديو أبيض وأسود مدته 29 ثانية يظهر قارباً سريعاً يُدمر بضربة عسكرية، مدعياً أنها عملية للجيش الأمريكي أسفرت عن مقتل 11 عضواً من عصابة "ترين دي أراغوا" الفنزويلية أثناء تهريب مخدرات إلى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لم تقدّم الإدارة أي تفاصيل إضافية، لا إحداثيات، لا أدلة على وجود مخدرات، ولا حتى نوعها، كما لم يتم انتشال جثث أو حطام، وأُلغيت إحاطة مقررة مع لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ دون تفسير.
وردّ نائب الرئيس جيه دي فانس بتغريدة قال فيها إنه "لا يكترث" بالقانونية، معتبراً القتل "أسمى استخدام للجيش" ضد من يسممون الأمريكيين، ومتوعداً بمزيد من العمليات.
لكن تقرير "ذا إنترسبت"، يرى أن التصعيد يأتي في سياق تركيز واشنطن المتجدد على أمريكا اللاتينية كمصدر للموارد الحيوية، كما أشارت الجنرال لورا ريتشاردسون سابقاً، إذ تمتلك المنطقة 31% من المياه العذبة العالمية، 60% من الليثيوم في "مثلث الليثيوم" (الأرجنتين، بوليفيا، تشيلي)، إضافة إلى النفط، النحاس، والذهب في فنزويلا.
وتوصف المنطقة بأنها "غنية بشكل لا يصدق"، وتهدد روسيا والصين نفوذ واشنطن من خلال تحالفات مع كوبا، نيكاراغوا، فنزويلا، البرازيل، تشيلي، المكسيك، والأرجنتين، إذ اقترحت ريتشاردسون "المشاركة" عبر القوة الناعمة والمعاهدات التجارية لتأمين الوصول.
إلا أن داخل إدارة ترامب، ينقسم الائتلاف حول كيفية السيطرة، إذ يمثل ريتشارد غرينيل، المبعوث الخاص، الجناح المهادن الذي يدعو لتطبيع العلاقات مع فنزويلا للوصول إلى الموارد دون صراع.
وكخصم للناتو، يرى غرينيل أن النهج غير الصراعي أفضل في عالم ممزق، إذ حقق انتصاراً بمنح تراخيص لشيفرون لتجاوز العقوبات واستخراج النفط الفنزويلي، الذي بدأ تسليمه إلى تكساس قبل أسابيع من الهجوم. وفي 3 سبتمبر، ارتفعت صادرات فنزويلا إلى أمريكا، بدلاً من إرسالها إلى الصين.
ويشارك هاري سارجنت الثالث، ملياردير مقرب من ترامب، هذا النهج، مستفيداً من علاقاته مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لعمليات مربحة مثل تصدير الأسفلت، كما عملت سوزي وايلز، رئيسة موظفي ترامب، سابقاً لشركة ضغط تتعامل مع عملاء فنزويليين.
أما الجناح المتشدد، فيقوده وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يسعى للتصعيد العسكري، فعندما أمر ترامب بالهجوم، كان روبيو يدفع لـ"حافة الهاوية"، متوعّداً بمزيد من الهجمات لكسب المتشددين ضد المهادنين، وقد يؤدي ذلك إلى إغلاق عمليات شيفرون، ساعياً لحظر تجاري شامل.
وكسيناتور من فلوريدا، يتأثر روبيو بالمنفيين الكوبيين المناهضين للشيوعية، الموصوفين بـ"عقدة من الاستياء والانتقام"، ما يدفعه لاستهداف اليساريين في كوبا، فنزويلا، نيكاراغوا، والديمقراطيين الاجتماعيين في البرازيل وتشيلي.
يتعاون روبيو مع متشددين مثل وزير الدفاع بيت هيعسيث، ومدير الـ سي آي إيه، جون راتكليف، الذين يسعون لدمج "الحرب على المخدرات" مع "الحرب على الإرهاب" عبر عقوبات، طائرات بدون طيار، عمليات سرية، واعتقالات.
ويخلُص موقع "ذا إنترسبت" إلى أن خطة روبيو قد تأتي بنتائج عكسية، كما في ولاية ترامب الأولى مع فشل دعم خوان غوايدو، فالرئيس الأمريكي يتخذ في ولايته الثانية موقفاً وسطياً، متشدداً خطابياً لكنه يشير إلى صفقات، نافياً تغيير النظام رغم مكافأة 50 مليون دولار على مادورو.
مع ذلك، يصب الزخم في صالح المتشددين، إذ أعقب البنتاغون الهجوم بنشر 10 طائرات إف-35 في بورتوريكو لضربات إضافية، لكن مع الركود الاقتصادي، والتضخم، والبطالة، وتراجع الدولار، وانخفاض شعبية ترامب، والحروب في أوكرانيا وغزة، تزداد الضغوط، مما قد يدفع الرئيس الأمريكي إلى التصعيد وفق أهدافه "المتضاربة".