رجّح خبراء في العلاقات الدولية، ارتفاع احتمالية اندلاع حرب مباشرة بين روسيا وألمانيا، بسبب شراء أنظمة باتريوت للدفاعات الجوية لتزويد كييف بها، ودعم الأخيرة في مواجهتها مع موسكو بصواريخ "توروس" الألمانية.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن أوروبا، بقيادة ألمانيا، تعمل اليوم على إثبات نفسها كلاعب أساس في المعركة مع روسيا، لذلك فإن خيار التصعيد في الحرب وشراء أسلحة نوعية من جانب برلين من الممكن أن يُغيّرا إلى حد كبير المعادلة في الميدان، حتى تفرض أوروبا نفسها على الروسي والأمريكي في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بشكل أو بآخر، وإلا فإن تجاوزها في أي اتفاق محتمل يهدد أمنها من جانب موسكو.
وأعلنت الحكومة الألمانية مؤخرًا أنها تدرس شراء أنظمة باتريوت للدفاعات الجوية من الولايات المتحدة لصالح أوكرانيا، عقب إعلان واشنطن تعليق تسليم أسلحة معينة إلى كييف، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية إن هناك بضع طرائِق لسد هذا النقص في أنظمة باتريوت لأوكرانيا.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية راضي الرازي: إن تصدّر ألمانيا للصف الأوروبي بمراحل كبيرة مقارنة ببريطانيا وفرنسا في دعم أوكرانيا في الحرب الروسية بجميع الطرق والأشكال، وتوفير كافة إمكانياتها ضد موسكو، ومع دراستها لشراء أنظمة باتريوت الأمريكية وإمكانية تقديم صواريخها "توروس" لأوكرانيا، قد يدفع روسيا إلى مواجهة مباشرة مع ألمانيا التي توفر كل المعطيات لذلك.
وأوضح الرازي لـ"إرم نيوز" أن ألمانيا تعمل في كثير من الأحيان بمعزل عن الناتو في دعم كييف، ومن بين ذلك الجدل الدائر حول صواريخ "توروس" الألمانية، حيث تتجه برلين إلى تدريب مختصين أوكرانيين على استخدامها قبل تقديمها لكييف، وهو ما قد يؤدي أيضًا إلى تغيير في معادلة الحرب وسط تهديد موسكو بضرب مصانع هذه الصواريخ.
وأشار إلى أن جزءًا كبيرًا من الدعم العسكري والمالي الألماني لكييف طوال الحرب الروسية الأوكرانية يأتي خارج مظلة الناتو، بالإضافة إلى دعم وتعاون استخباراتي من برلين أسهم في تنفيذ ضربات أوكرانية موجعة في العمق الروسي، فضلًا عن عمليات أخرى، من بينها تدمير جسر القرم وتزويد كييف بصواريخ لتنفيذ ذلك.
وبحسب الرازي، فإن روسيا التي تتمسك بالاحتفاظ بالمقاطعات الأربع وعودة الناتو إلى حدود ما قبل عام 1991، وأن تكون أوكرانيا خالية من سلاح الحلف، ترى أن ألمانيا تتعامل بتحدٍّ عبر وضع كل إمكانياتها لمنع موسكو من تحقيق أهدافها، خاصة أن برلين تأتي في صدارة الدول المستهدفة تاريخيًّا واستراتيجيًّا من قِبل موسكو.
وأوضح أن برلين تدرك جيدًا أنه حال الوصول إلى مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ستقبل موسكو الجلوس إلى طاولة مفاوضات تضم عدة أطراف بقيادة الولايات المتحدة، لكن الطرف غير المقبول من جانب روسيا هو ألمانيا.
ومن برلين، يرى أستاذ العلاقات الدولية الدكتور عبد المسيح الشامي أن أوروبا، بقيادة ألمانيا، تعمل اليوم على إثبات نفسها كلاعب أساس في المعركة مع روسيا، لذلك فإن خيار التصعيد وشراء أسلحة نوعية من جانب برلين من الممكن أن يُغيّرا بشكل كبير المعادلة في الميدان، حتى تفرض أوروبا نفسها على الروسي والأمريكي في مفاوضات محتملة.
وأضاف الشامي لـ"إرم نيوز" أن القضية اليوم في الحرب الأوكرانية تكمن في أنها كانت أساسًا مواجهة بين أمريكا وروسيا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، ضمن القرار السيادي التقليدي لـ"الدولة العميقة" في الولايات المتحدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يتمثل في منع الروس من التمدد وزيادة النفوذ، خصوصًا باتجاه أوروبا.
وبيّن أنه بعد تبدل المواقف الأمريكية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي اتخذ موقفًا مغايرًا بنسبة 180 درجة عن التوجهات الأمريكية التقليدية، وأصبح أقرب إلى ما تسير فيه جبهة روسيا من جبهة أوروبا، اتخذت الولايات المتحدة مسارًا منفصلًا عن الشراكة مع الناتو؛ ما أدى إلى انفصال المسارات السياسية والعسكرية.
وأفاد بأن أوروبا، بعدما خرجت "صفر اليدين"، وجدت أن واشنطن تُجري مع موسكو صفقة علنية بشكل مباشر لجني ثمار حرب موّلتها أوروبا في الأساس، رغم أنها كانت بقرار أمريكي؛ ما دفع الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، إلى فرض نفسها كطرف أساس في أي تسوية عبر تموضع جديد، يجعل من خيار استمرار الحرب ضرورة استراتيجية لفرض أوروبا على طاولة التفاوض.
وأشار الشامي إلى أن قرار الاستمرار في الحرب بات إجباريًّا ولا يوجد بديل أمام الأوروبيين، في ظل تهديد أمن القارة من قبل الروس، لذلك فإن استمرار الحرب ليس خيارًا، بل ضرورة لفرض أوروبا كلاعب في المعادلة التفاوضية.