مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
العالم

سياسة "القضم البطيء".. لماذا تتجنب روسيا الهجوم الكاسح في أوكرانيا؟

أفراد من الجيش الروسي في أوكرانياالمصدر: رويترز

اتجهت روسيا منذ الأسابيع الأولى للحرب في أوكرانيا، إلى تعديل نمط عملياتها العسكرية، مبتعدة عن خيار الهجوم الكاسح، ومتبنية استراتيجية التقدم البطيء أو القضم المنهجي. 

هذا التحول جاء نتيجة معطيات ميدانية أظهرت أن الهجمات الواسعة النطاق تُكبد القوات خسائر بشرية ولوجستية مرتفعة، خاصة في ظل طبيعة القتال داخل مدن محصنة جرى إعدادها عسكريًا على مدى سنوات.

تعتمد هذه الاستراتيجية على استنزاف القدرات العسكرية واللوجستية للقوات الأوكرانية تدريجيًا، مع الحفاظ على القوات والمعدات، وضمان تماسك منظومة القيادة والإمداد عبر جبهات متعددة. 

التحكم في وتيرة العمليات

ووفقا للخبراء، منح هذا النهج موسكو قدرة أكبر على التحكم في وتيرة العمليات، وتفادي المخاطر الناتجة عن فتح جبهات واسعة قد تُحدث اختلالًا ميدانيًا مفاجئًا.

كما يحمل التقدم البطيء بعدًا سياسيًا واستراتيجيًا، إذ تراهن روسيا على أن إطالة أمد الصراع ستؤدي إلى إنهاك أوكرانيا وحلفائها الغربيين اقتصاديًا وسياسيًا، مقابل الحفاظ على قدرتها على الاستمرار في الحرب. 

وبهذا المنطق، يصبح الحسم التدريجي خيارًا محسوبًا يهدف إلى فرض واقع ميداني جديد، بدل المغامرة بهجوم شامل عالي الكلفة وغير مضمون النتائج.

أخبار ذات علاقة

قوات ألمانية يشاركون في مناورة بميناء هامبورغ

من المخابئ إلى التجنيد.. كيف تستعد أوروبا لأسوأ سيناريو مع روسيا؟

الخبرة الميدانية السابقة

ويرى الخبراء أن تجنب روسيا شن هجوم كاسح في أوكرانيا يرتبط بخبرة ميدانية سابقة أظهرت كلفة هذا الخيار بشريًا ولوجستيًا، خاصة في ظل تقارب القدرات العسكرية وتحصين المدن الأوكرانية منذ سنوات. 

وكشف الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن موسكو انتقلت إلى نمط التقدم البطيء أو القضم المنهجي، المعتمد على استنزاف البنية العسكرية واللوجستية للخصم، والحفاظ على الموارد البشرية والمعدات، مع تفادي فتح جبهات واسعة قد تُربك الإمداد والقيادة. 

وأضاف الخبراء أن هذه الاستراتيجية تحمل بعدًا سياسيًا، إذ تراهن روسيا على حرب طويلة تُنهك الغرب اقتصاديًا وسياسيًا، وتدفعه في النهاية نحو التفاوض، بدل المغامرة بهجوم شامل عالي الكلفة وغير مضمون النتائج.

وقال محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن روسيا تتجنب تنفيذ هجوم كاسح في أوكرانيا، وأن هذا التوجه جاء نتيجة تجربة سابقة في بدايات الحرب. 

وأشار الأفندي، لـ"إرم نيوز"، إلى أن موسكو حاولت في المرحلة الأولى شن هجوم واسع النطاق بأساليب تقليدية قريبة من تكتيكات الحرب العالمية الثانية، إلا أن النتائج كانت مكلفة على مستوى العتاد والجنود، ما دفع القيادة الروسية إلى إعادة تقييم خياراتها العسكرية.

وأكد  أن روسيا تعلمت من أخطائها، واتجهت لاحقًا إلى اعتماد أساليب الحرب الحديثة، القائمة على تدمير البنية الخلفية للخصم بدل الهجوم الشامل. 

أخبار ذات علاقة

الحرب في أوكرانيا

بعد مقتل جندي بريطاني على الجبهة.. روسيا تعيد رسم حدود الاشتباك في أوكرانيا

استهداف البنية العسكرية

وبين الخبير في الشؤون الروسية، أن هذه الاستراتيجية تعتمد على استهداف البنية العسكرية واللوجستية، إلى جانب إرسال وحدات صغيرة ومتخصصة لتنفيذ عمليات اختراق داخل المدن، خاصة أن العديد من المدن الأوكرانية كانت مجهزة عسكريًا منذ عام 2014.

وأشار إلى أن الحديث عن حسم الحرب خلال 3 أو 4 أيام لم يصدر عن روسيا بقدر ما روج له الإعلام الأمريكي والغربي، إضافة إلى الإعلام الأوكراني. 

وأكد أن موسكو سعيًا لتقليل الخسائر البشرية والحفاظ على قدراتها العسكرية، اختارت نمطًا مختلفًا من القتال يُعرف بالحرب المنهجية أو الجراحية، والتي تقوم على استدراج القوات الأوكرانية إلى جبهات محددة ثم تدميرها عسكريًا وبشريًا.

ولفت الأفندي إلى أن الخسائر البشرية في الجانب الأوكراني مرتفعة للغاية، بدليل استمرار التعبئة العامة حتى اليوم، في حين اكتفت روسيا بتعبئة جزئية محدودة.

وأوضح أن الفارق العددي بين الجيشين قبل الحرب لم يكن حاسمًا، إذ بلغ قوام الجيش الأوكراني نحو 810 آلاف مقاتل مقابل نحو مليون ومئة ألف جندي روسي، ما يعني أن العامل الفاصل كان الأسلوب العسكري وليس العدد.

أخبار ذات علاقة

منظومة صواريخ روسية

روسيا تعلن مهاجمة منشآت أوكرانية بصواريخ فرط صوتية

الفلسفة العسكرية الروسية

وأضاف أن الفلسفة العسكرية الروسية تقوم على أن الحرب صراع بين الجيوش لا بين الشعوب، منتقدًا في المقابل النهج الغربي الذي يعتمد، على إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر بين المدنيين للضغط على الحكومات، مستشهدًا بما جرى في لبنان وغزة وأفغانستان.

وقال المحلل السياسي، إن روسيا قد تلجأ إلى أساليب أكثر صرامة إذا اندلعت مواجهة مباشرة مع أوروبا، مؤكدًا أن لكل ساحة حرب أدواتها الخاصة.

من جانبه، أكد العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، أن ما تنفذه روسيا في أوكرانيا يندرج ضمن استراتيجية القضم البطيء، وهي من الاستراتيجيات المعروفة في العقائد القتالية الشرقية. 

وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، كشف أن أي تحليل للهجوم الروسي يجب أن يستند إلى القواعد التكتيكية العالمية، حيث تقوم الجيوش عادة على مبدأ 3 مقابل 1 في الهجوم، باعتبار أن ثلث القوة فقط هو القادر على مواصلة القتال بعد المعركة الأولى.

تعقيدات الهجوم الكاسح

وأشار الخبير العسكري إلى أن قرار الهجوم العسكري يصبح أكثر تعقيدًا عندما تكون القدرات الدفاعية والهجومية للطرفين متقاربة. 

وأضاف أن الجيشين الروسي والأوكراني تلقّيا تدريبات على أسلوب الدفاع بالمجموعات الصغرى، ما أوجد حالة من التكافؤ في القدرات العسكرية، وإن لم يكن بالضرورة في الكفاءة القتالية، وهو ما يجعل أي هجوم واسع مكلفًا بشريًا.

وأوضح العميد نضال زهوي، أن من بين الأسباب الرئيسية لابتعاد روسيا عن الهجوم الكاسح حرصها على الحفاظ على الموارد البشرية، خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها في بداية الحرب، حين لم تكن القوات الروسية على دراية كاملة بالتكتيكات القتالية الأوكرانية، خصوصًا في المحور المتجه نحو كييف.

وأضاف أن موسكو انتقلت لاحقًا إلى استراتيجية القضم البطيء نتيجة تلك الخسائر، فضلًا عن القيود اللوجستية. وأشار إلى أن تعدد الجبهات المفتوحة، من الدونباس شرقًا إلى خاركوف شمالًا وزابوروجيا جنوبًا، يجعل أي تقدم سريع تهديدًا لمنظومة الإمداد والقيادة والسيطرة.

ولفت إلى أن هذه الاستراتيجية تحمل رسائل سياسية واضحة للغرب، مفادها أن روسيا قادرة على خوض حرب طويلة الأمد، في وقت يعتمد فيه الغرب على عقيدة الحسم السريع. 

أخبار ذات علاقة

جندي روسي

حرب الأمتار الأخيرة.. روسيا تتقدم نحو قلب دونيتسك عبر سيفرسك (تحليل عسكري)

استنزاف أوروبا

وأوضح أن موسكو تراهن على استنزاف أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا، إلى جانب إنهاك الرأي العام الغربي، بما يفتح المجال أمام مفاوضات مستقبلية من موقع أقوى.

وأشار نضال زهوي إلى أن الأهداف الروسية لا تقتصر على السيطرة العسكرية المباشرة، بل تمتد إلى صياغة معادلة استراتيجية جديدة، خاصة وأن مسار العمليات الحالي يعكس محاولة خنق أوكرانيا جغرافيًا وسياسيًا، في رسالة تضغط على أوروبا لدفعها نحو خيار التفاوض تمهيدًا لمرحلة سياسية قادمة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC