logo
العالم

أين وصلت "معركة الذكاء الاصطناعي" بين واشنطن وبكين؟

أين وصلت "معركة الذكاء الاصطناعي" بين واشنطن وبكين؟
مؤتمر الذكاء الاصطناعي في شنغهايالمصدر: رويترز
30 يوليو 2025، 7:47 م

تكثف الصين جهودها لتطوير منظومة ذكاء اصطناعي مستقلة عن التكنولوجيا الأمريكية، في إطار حملة وطنية واسعة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الاستراتيجي، وسط تصاعد التوترات مع واشنطن.

ورداً على القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة للحد من قدرة بكين على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة ورؤوس الأموال والكفاءات، بدأت الصين تضخ مليارات الدولارات في تطوير نماذج وبُنى تحتية للذكاء الاصطناعي لا تعتمد على المكونات الأمريكية. 

ورغم نجاح هذه القيود في إبطاء طموحات الصين، فإن الأخيرة تُضاعف جهودها الابتكارية محلياً استعداداً لمعركة طويلة الأمد، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة ”وول ستريت جورنال“.

في مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي الذي اختتم أعماله أخبراً في شنغهاي، عرضت السلطات الصينية تقنيات مصممة بالكامل من دون مكونات أمريكية.

من بين المشاركين كانت شركة "ستيب فن" الناشئة في شنغهاي، التي كشفت عن نموذج ذكاء اصطناعي جديد يتطلب طاقة حوسبة أقل، ما يجعله مناسباً للعمل على رقائق مصنّعة محلياً.

وعلى الرغم من تأخر الأداء مقارنة بالمنتجات الأمريكية، تسعى شركات مثل هواوي إلى تقليص الفجوة عبر تجميع عدد كبير من الرقائق لتعزيز القدرات الحسابية.

شهد المؤتمر أيضاً إطلاق الصين خطة حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي، دعت إلى إنشاء مجتمع مفتوح المصدر يتيح تطوير النماذج ونشرها بحرية.

واعتبر المشاركون في القطاع هذه الخطوة دليلاً على طموح بكين لتحديد المعايير الدولية، بخلاف الولايات المتحدة التي تفضّل الإبقاء على نماذجها رهن الملكية الخاصة.

تزامن المؤتمر مع موجة من الإعلانات والسياسات الداعمة للذكاء الاصطناعي في الصين، شملت توسعاً في توليد الطاقة، وتوسيع البرامج التعليمية، وتوجيه رؤوس الأموال نحو التكنولوجيا الاستراتيجية. 

أخبار ذات علاقة

صورة صممت عبر الذكاء الاصطناعي

"اليونسكو": شركات تستثمر في الكهرباء لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي

 وتعتمد بكين في هذا التوجه على تعبئة شاملة تضم المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والحكومات المحلية، لتوحيد الموارد خلف قطاعات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.

وبموجب هذا التوجه، قلّصت هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية من الموافقة على الطروحات الأولية للشركات التي لا تندرج تحت قطاع "التقنيات الصلبة" مثل الرقائق والذكاء الاصطناعي، وفقًا لمصادر مطلعة، في محاولة لتوجيه التمويل نحو القطاعات ذات الأولوية الاستراتيجية.

لكن رغم هذه الاستثمارات الضخمة، ما تزال الصين تواجه تحديات كبيرة، في ظل استمرار التفوق الأميركي المدعوم من وادي السيليكون في تطوير النماذج والرقائق. فقد حُرمت الشركات الصينية من أحدث رقائق "إنفيديا" ومن المعدات المتقدمة لتصنيعها، ما شكل عائقاً أمام طموحاتها التقنية.

في مواجهة ذلك، تقود هواوي مبادرة "مشروع الإطار الاحتياطي"، بالتعاون مع نحو 2000 شركة، بهدف تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي تبلغ 70% في قطاع أشباه الموصلات بحلول عام 2028، بحسب مصادر مطلعة على لقاء جمع بين الرئيس التنفيذي رن تشينغفي والرئيس شي جين بينغ في فبراير الماضي.

وقد أحرزت الشركة تقدماً ملحوظاً، إذ طورت عنقوداً من 384 رقاقة "Ascend"، أظهر أداءً يتفوق على نظام "إنفيديا" المكوّن من 72 وحدة معالجة رسومية في بعض المعايير، وفقاً لمركز الأبحاث الأميركي "سيمي أناليسس“.

من جانبها، تتوقع "مورغان ستانلي" أن ترتفع حصة الرقائق المحلية في السوق الصينية من 34% في عام 2024 إلى 82% بحلول عام 2027.

وفي خطوة داعمة، أعلنت حكومة مدينة شينزين، مقر شركة هواوي، إنشاء صندوق استثماري بقيمة 700 مليون دولار لتعزيز سلسلة إمداد مستقلة وقابلة للتحكم.

تحت ضغط التوجيهات الوطنية، سارعت البنوك الصينية والشركات الحكومية والهيئات الرسمية إلى نشر نماذج ذكاء اصطناعي محلية، مثل "ديب سيك" و"كوين" التابعة لمجموعة علي بابا.

ويقول مطلعون إن بعض الجهات اشترت خوادم باهظة الثمن لتشغيل هذه النماذج حتى قبل توفر استخدامات عملية لها، في إشارة إلى الزخم الحكومي المتزايد.

كما أسهمت الطبيعة مفتوحة المصدر للنماذج الصينية في تسريع تبنيها. وركّز الباحثون في مؤتمر شنغهاي على كيفية التغلب على قيود العتاد من خلال تحسين تصميم النماذج والهندسة.

وأبرزوا أن النماذج الصينية تتيح للمستخدمين تعديلها ونشرها بحرية، بخلاف النماذج الأمريكية المحمية.

ويبدو أن هذا التوجه بدأ يؤتي ثماره. فبحسب مجموعة "أرتيفيشال أناليسس" المختصة بقياس أداء النماذج، تفوّق أفضل نموذج صيني مفتوح المصدر على نظيره الأمريكي منذ نوفمبر 2024، ليصبح الأفضل عالمياً من حيث الإتاحة العامة. 

وفي الأسابيع الأخيرة، أطلقت شركات صينية موجة جديدة من النماذج مفتوحة المصدر، بعضها ادعى تحقيق أداء يفوق "ديب سيك" في استخدامات معينة. في المقابل، قررت "أوبن إيه آي" تأجيل إصدار نموذجها مفتوح المصدر لأجل غير مسمى بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

أخبار ذات علاقة

سام ألتمان

GPT-5 أحدث إصدار من "أوبن إيه آي".. تعرف على أبرز المميزات

 وعلى صعيد البنية التحتية، تتفوق الصين أيضاً على الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تستثمر 564 مليار دولار في مشاريع تحديث شبكة الكهرباء بين عامي 2025 و2030، بزيادة تفوق 40% عن الفترة السابقة. 

وتبلغ قدرة توليد الكهرباء في الصين حالياً نحو 2.5 ضعف نظيرتها في الولايات المتحدة، مع توقع اتساع الفجوة خلال السنوات الخمس المقبلة.

كما ضاعفت الصين جهودها في المجال التعليمي. فبحلول أبريل الماضي، حصل أكثر من 600 جامعة على ترخيص لتقديم برامج دراسات في الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ35 جامعة فقط في 2019. ومن المقرر إدراج دروس إلزامية في الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية والثانوية في بكين بدءاً من سبتمبر المقبل.

ووفقاً لدراسة مشتركة بين معهد هوفر وجامعة ستانفورد، فإن أكثر من نصف الباحثين الذين أسهموا في أوراق "ديب سيك" بين عامي 2024 وبداية 2025، تلقوا تعليمهم بالكامل داخل الصين، ما يشير إلى نجاح البلاد في بناء قاعدة محلية من الكفاءات.

ورغم تفوق الجامعات الأمريكية في التصنيفات العالمية لعلوم الحاسوب، فإن عدد برامج الذكاء الاصطناعي التخصصية أقل. وفي محاولة لسد الفجوة، وقع الرئيس دونالد ترامب في أبريل الماضي أمراً تنفيذياً لجعل تعليم الذكاء الاصطناعي إلزامياً للشباب الأمريكيين، كما أعلنت إدارته عن خطة عمل جديدة لتسهيل إنشاء مراكز البيانات المحلية.

وفي خطوة بارزة، أعلنت "أوبن إيه آي" بالتعاون مع مجموعة "سوفت بنك" اليابانية عن مشروع مشترك بقيمة 500 مليار دولار لبناء مراكز بيانات في الولايات المتحدة، غير أن المشروع واجه تأخيرات لاحقاً.

يرى محللون أن قدرة الصين على تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية، خصوصاً في قطاع الرقائق، ستكون حاسمة في سعيها نحو الريادة في الذكاء الاصطناعي.

وقال مايكل فرانك، مؤسس مركز "سيلدون ستراتيجيز" للأبحاث: "من الواضح أن الصين تُحرز تقدماً في تحصين منظومتها التقنية الخاصة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة“.

ورغم أن مستقبل قيادة الصين للذكاء الاصطناعي عالمياً لا يزال غير محسوم، فإن عزمها على تحدي الهيمنة الأمريكية بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى، وبدعم كامل من الدولة.

أخبار ذات علاقة

مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي في شنغهاي

تحالفات صينية لمواجهة القيود الأمريكية على تقنيات الذكاء الاصطناعي

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC