استند القرار الأمريكي الاستراتيجي بالإبقاء على القاذفة الأمريكية "B‑52J"، النسخة المُحدّثة من قاذفة "B-52 ستراتوفورتريس"، إلى حسابات تكتيكية، ولم يكن تحديث تلك المقاتلات التي يمتد تاريخها إلى حقبة الحرب الباردة، ناتجاً عن الحنين إلى الماضي فحسب.
ويرى تقريرٌ حديث أنه وخلال عقدٍ من الزمان ستشهد فيه القوة الجوية ندرة في منصات التسلل ومحدودية في مخزونات الأسلحة بعيدة المدى، فإن القاذفة B‑52J التي تستطيع حمل عددٍ كبير من الذخائر من مدى بعيد، قد توفر ما تفتقده المنصات الخفية: حجماً واستمرارية ضغوطية على العدو.
بينما توفر القاذفات الشبحية النفاذ إلى خطوط العدو والعمق التكتيكي، فإن القاذفة B‑52J نظرًا لأنها ليست مصممة للاختراق، بل لتقديم "حجم إطلاق" مستدام، فإنها تمنح القوات على الأرض قدرة عملياتية هائلة لتنفيذ عدد كبير من الطلعات المُحملة بالأسلحة؛ ما يحافظ على استمرار الضغط الاستراتيجي دون استنزاف أصول الاختراق.
من المرجح أن يسهم استبدال محركات القاذفة B‑52J القديمة بمحركات F130 المتطورة، في معالجة مشاكل الاعتمادية وتحسين مداها التشغيلي؛ ما يخفض الحاجة إلى سحب المحركات ويطيل زمن البقاء في المهام، كما أن تزويدها برادار محدَّث سيمكّنُها من اتخاذ أوضاع مسح واسعة ومتابعة أهداف بحرية وحركية وأداء اختراقي للطقس؛ ما يعزّز فاعلية توجيه الأسلحة، كما يمكنها استيعاب حمولاتٍ أكبر وتتيح تكامل أسلحة حالية ومستقبلية، ومن ثم تحويل الطائرة إلى منصّة إطلاق فعلية قابلة للتوسع.
ويرى الخبراء أن ارتفاع تكلفة إنتاج قاذفاتٍ جديدة وتأخر جداول التسليم الزمنية واقعان لا يُمكن تجاهلهما، لكن التحليل الحقيقي لا يقف عند سقف النفقات بل يقيس "التأثير المستمر": كم عدد الضربات التي يمكن إطلاقها بانتظام ودون تهديد قدرة الطواقم والمنصات الثمينة؟ بالنسبة لحسابات القيادة المشتركة، فإن زيادة القدرة على الإطلاق المتكرر والخدماتية للتشكيل، تُبرر أهمية الإنفاق مقارنةً بانتظار استبدال كامل يعتمد على إنتاج وبناء طواقم جديدة.
استبعاد قاذفة B‑52J في هذا التوقيت الحاسم لصالح انتظار زيادة أعداد B‑21 أو تسليحٍ إضافي يعني فقدان منصة جاهزة توفر عمقاً تشغيليًّا، ووحدات حمل كبيرة على مدار العقد القادم؛ ولذلك فإن زيادة إنتاج قاذفات جديدة وتكوين طواقمها، لا يحققان نفس الحجم الفوري من التأثير الذي يوفره تحديث أسطول قائم.
ويرى مراقبون أنه وعند وضع القرار على ميزان الحسابات العسكرية واللوجستية، فإن الاحتفاظ بـB‑52J بعد تحديثها يصبح خياراً عقلانياً في عقدٍ تُقاس فيه القوة بعمق المخزون وتواتر الطلعات؛ ما يعني أن الطائرة ليست تحفة تاريخية محفوظة للعرض، بل هي قدرة عملية تعيد للأركان المشتركة خيار إطلاق كميات معتبرة من الذخائر من مدى بعيد، وتمنح وقتاً ثميناً لبناء وتعزيز قدرات الاختراق المستقبلية دون تفريغ الترسانة التشغيلية اليوم.