رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
شهدت تنزانيا صدمة واسعة إثر حملة القمع التي رافقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 29 أكتوبر/تشرين الأول، والتي أسفرت عن مقتل مئات المتظاهرين على أيدي قوات الأمن.
ووصفت هذه الأحداث من قبل النشطاء بأنها "لحظة ميدان السلام السماوي"، في إشارة إلى وحشية الرد الحكومي على الاحتجاجات، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز".
وأُعلنت سامية سولوهو حسن فائزة بالانتخابات بنسبة 98% من الأصوات، وأدت اليمين الدستورية في ثكنة عسكرية، وسط انتقادات واسعة النطاق من الداخل والخارج.
فقد تخللت العملية القمعية اختفاء العشرات من المعارضين قسراً، وإسكات وسائل الإعلام، ومنع أبرز المنافسين من الترشح، بينما قطعت الحكومة الإنترنت عن نطاق واسع، ما حال دون توثيق الأحداث على الفور.
وقال تيتو ماغوتي، محامٍ وناشط في حقوق الإنسان: "يشعر الناس بالحزن والإحباط والخيانة، ويبدؤون في التصالح مع الخسائر البشرية الناجمة عن إطلاق النار الجماعي".
وبدورها، حذرت السياسية الكينية مارثا كاروا من أن السماح بالإفلات من العقاب في تنزانيا قد يشجع دولًا أخرى في شرق أفريقيا على اتباع نهج مشابه.
الرد الدولي كان حادًا؛ حيث وصف الاتحاد الأفريقي البيئة الانتخابية بأنها "لم تكن مواتية للسلوك السلمي وقبول نتائج الانتخابات"، ودعت الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية إلى تحقيق مستقل في أعمال العنف، فيما دعا مجلس الشيوخ الأمريكي إلى إعادة تقييم العلاقات مع الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
تأثير الأزمة على الاستقرار الداخلي والاقتصاد
لطالما شكّل حزب تشاما تشا مابيندوزي الحاكم في تنزانيا منذ الاستقلال في 1961 القوة السياسية الأساسية في البلاد، ومع مرور السنوات على إنهاء حكم الحزب الواحد من الناحية الفنية عام 1992، ظل الحزب يسيطر على مفاصل السلطة.
لكن الانتخابات الأخيرة كانت غير مسبوقة في شدة القمع واستهداف الحريات السياسية، ما أثار غضبًا شعبيًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد الحديث.
وتأثرت القطاعات الاقتصادية الحيوية، لا سيما السياحة، التي تجذب نحو مليوني زائر سنويًا إلى زنجبار والمتنزهات الوطنية مثل سيرينجيتي، حيث صدرت تحذيرات سفر دولية أدت إلى تراجع عدد الزوار.
وقال ناشط حقوقي: "لقد أصبح من الصعب جمع المعلومات لأن الناس يخافون من أي كلام عن الأحداث"، مشيرًا إلى حالة الرعب التي تعم المجتمع.
ويقدّر حزب تشاديما المعارض عدد القتلى بأكثر من ألف شخص، بينما تشير مصادر الأمم المتحدة إلى مقتل مئات، مع فقدان العشرات وعمليات البحث المستمرة عن المفقودين في مراكز الشرطة والمستشفيات.
كما تعرّض ما يقرب من 500 شخص للاعتقال، ووُجهت تهم الخيانة العظمى لأكثر من 100 منهم، وهي عقوبة قد تصل إلى الإعدام.
المواجهة الشعبية مستمرة
على الرغم من تراجع الاحتجاجات، لا تزال حملة القمع مستمرة؛ فقد تعرض موظفو المركز القانوني وحقوق الإنسان للتفتيش والمضايقات، وسُحبت منهم أجهزة إلكترونية.
وعادت تغطية الإنترنت مؤخرًا، لكن السلطات استمرت في إرسال تحذيرات جماعية للمواطنين حول مشاركة الصور التي "قد تسبب الذعر"، في محاولة للسيطرة على الصورة العامة للأحداث.
في السياق نقلت الصحيفة عن الناشطة السياسية ماريا سارونجي تسيهاي قولها إن هذا يُثير غضبًا شديدًا بين الشباب والعائلات على جميع المستويات؛ حيث يتعرض الأشخاص الذين يبحثون عن أحبائهم للمضايقة، وبعضهم استعاد جثثًا بشرط توقيعهم على استمارة تفيد بأن الوفاة كانت حادث سير.
وأطلقت مجموعة من الشباب المتظاهرين، تحت اسم "الجيل التنزاني Z"، حملة لمطالبة الرئيسة وسلطات الأمن بالاستقالة، مع جمع مئات آلاف التوقيعات لدعمهم.
ويخططون لمظاهرات جديدة في التاسع من ديسمبر، يوم استقلال البلاد، بينما تحاول الشرطة تعقب منظميها؛ وقد أبرزت هذه التحركات الشعبية أن مقاومة الحكم القمعي أصبحت أكثر انتشارًا وتنظيمًا، رغم القيود الأمنية والتضييق الحكومي.
تقف تنزانيا اليوم عند مفترق طرق سياسي واجتماعي حاد، بعد أن قلبت الانتخابات الأخيرة صورة الاستقرار التي ارتبطت بها البلاد لسنوات.
بين قمع داخلي واسع، ومطالب حقوقية دولية، وخوف اقتصادي متزايد، يبدو أن البلاد تواجه اختبارًا مصيريًا لمدى قدرة المواطنين على الدفاع عن الحريات الأساسية، ولقدرة المؤسسات الدولية على الضغط من أجل مساءلة الحكومة.
وفي ظل استمرار القمع، يبرز جيل جديد من الاحتجاجات كرمز للرفض الشعبي والاستعداد لمواجهة المرحلة المقبلة، مع خطر انتشار نموذج السلطة الاستبدادية إلى دول الجوار.