غيّر السفير البريطاني في العاصمة الأمريكية واشنطن بيتر ماندلسون، المعروف في بلاده باسم "أمير الظلام"، موقفه بشكل جذري بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وجاء تغيير موقف "أمير الظلام" حيال ترامب، بعد أن نجح في إبرام صفقة تجارية واحدة مع الأخير، بعد أن وصفه ذات مرة بأنه "خطر على العالم، وأقرب ما يكون إلى قومي أبيض وعنصري"، بحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
وفي مقابلة نُشرت حديثًا مع صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، قال اللورد ماندلسون "لم أكن يومًا في مدينة أو نظام سياسي يهيمن عليه فرد واحد إلى هذا الحد، عادةً ما تدخل في منظومة بيئية بدلًا من عالم شخصية واحدة. لكنه ظاهرة. سياسي فريد"، بالإشارة إلى الرئيس ترامب.
وأصبح ماندلسون، العضو في حزب العمال، سفيرًا لبريطانيا لدى الولايات المتحدة في شهر فبراير/شباط الماضي، مباشرةً بعد تنصيب ترامب، ويُعتبر في بلده الأم، شخصيةً معروفةً للغاية.
ويُنظر إلى اللورد ماندلسون على أنه الأنسب لتولي هذا المنصب الصعب، في ظل سعي المملكة المتحدة للحفاظ على "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة في وقتٍ يتزايد فيه عدم اليقين.
وخلال مسيرته المهنية المبكرة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، أصبح ماندلسون خبير الاتصالات، الذي قاد صعود حزب العمال إلى السلطة بقيادة توني بلير، وأحد أوائل الشخصيات التي عُرفت بـ"خبير الإعلام والعلاقات العامة" في المملكة المتحدة.
خبرته في "الفنون الخفية" للاستراتيجية والتكتيكات السياسية الخفية أكسبته لقب "أمير الظلام" لدى يسار الحزب، وقد علق هذا اللقب في أذهانهم.
وأصبح السياسي مفوضًا أوروبيًا للتجارة من عام 2004 إلى عام 2008، وثم أول وزير خارجية في حكومة غوردون براون بين عامي 2009 و2010.
وفي سن الـ71 يمتلك السياسي مسيرة مهنية طويلة تجاوزت بعض العثرات الملحوظة، ومن المرجح أن خصومه السياسيين ظنوا أنه قد انتهى أمره بعد استقالته الثانية من الحكومة في شهر يناير/ كانون الثاني من عام 2011، عندما اتُّهم باستغلال منصبه للتأثير على طلبات جوازات سفر رجل أعمال.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، اختاره رئيس الوزراء كير ستارمر ليحل محل كارين بيرس سفيرًا لدى الولايات المتحدة.
وإذا كانت خلفيته السياسية كشخصية سياسية، لا كدبلوماسي مخضرم، وتصريحاته السابقة، قد جعلت اختيار ماندلسون يبدو غريبًا، فقد أثبتت الحقائق خطأ المشككين.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، عندما التقى الاثنان في المكتب البيضاوي، استقبل ترامب ماندلسون بكلمة ودية للغاية: "يا إلهي، أنت رجل وسيم، ألست كذلك؟".
وفي تعبير عن تقديره، وصف ماندلسون ترامب لاحقًا بأنه "شخص اجتماعي" يأخذ الناس "على ظاهرهم".
وأسهم هذا التعليق في توضيح الصورة بعد أن وصفه كريس لاسيفيتا، الخبير الاستراتيجي الموالي لترامب، بـ"الأحمق المطلق"، على حد تعبيره، فيما بدا رد فعل على تعليق ماندلسون السابق المُهين للرئيس.
وكان السياسي البريطاني قد حاول بالفعل تصحيح تلك التعليقات، حيث ذهب إلى قناة "فوكس نيوز" في أواخر شهر يناير/ كانون الأول الماضي، ليقول إن تلك التعليقات "غير موفقة ومُخطئة"، مُدعيًا أنه يكنّ "احترامًا جديدًا" للرئيس.
وفي مقابلة مع صحيفة "صنداي تايمز"، كرّر السياسي البريطاني ذات الأمر عندما اعتبر، إن ما يقوله الرئيس غالبًا ما يكون "حقيقةً"، حتى عندما يبدو كلامه مُبالغًا فيه لإثارة غضب الأمريكيين.
وقال: "إنه ليس سياسيًا فريدًا فحسب، بل سيكون أيضًا أحد أهم الرؤساء في التاريخ الأمريكي"، مضيفًا أن "لديه هذا الحس التاريخي، وهذه القدرة على التأثير، والتي أعتقد أن من تولوا البيت الأبيض مؤخرًا لم يلمسوها جيدًا. إنه ليس رجلًا يُكثر من الندوات والتفكير الذي لا ينتهي".
وبيّن "أنه ليس ضحية الشلل التحليلي (العجز عن اتخاذ القرار جراء التحليل المفرط). لديه طريقة سريعة وسهلة للغاية لاستيعاب النقاط الجوهرية في أي قضية. ولنكن صادقين: في أغلب الأحيان، هناك جوهر حقيقة في كل ما يقوله".
واستشهد ماندلسون بأجندة إدارة ترامب العدوانية المناهضة للهجرة كمثال على ذلك، قائلاً إنه في حين صُوِّرت عمليات الترحيل الجماعي التي تقوم بها دائرة الهجرة والجمارك بشكل سلبي في وسائل الإعلام، فإن هدف الرئيس الأمريكي حسن النية.
وقال: "إذا أخذنا الهجرة، على سبيل المثال، يشعر الناس بأن عمل دائرة الهجرة والجمارك وسياسة الترحيل متطرفة. لكن ما يحاول إلغاءه هو فتح الحدود المكسيكية بشكل مفرط. السماح لأي شخص من أي مكان في العالم بالدخول جواً والعبور إلى الولايات المتحدة - والانتشار في جميع أنحاء البلاد دون أي سيطرة أو إدارة! لن يتقبل الجمهور ذلك".