logo
العالم

القارة العجوز بلا واشنطن.. هل تصمد أوروبا وحدها أمام الدب الروسي؟

قمة ترامب وقادة أوروبا بشأن أوكرانياالمصدر: رويترز

قال الخبير السياسي في صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، جون كامفنر إن أوروبا "إذا أرادت أن تنجو من هجوم روسي مستقبلي يجب على لاعبيها الكبار أن يتصرفوا بطريقة لم يفعلوها من قبل.. يجب أن يكونوا متحدين تماماً".

وأضاف كامفنر  إنه بعد عقود من الاعتماد الكامل على المظلة الأمنية الأمريكية، تجد القارة العجوز نفسها اليوم في مأزق وجودي: إما أن تتحد وتدافع عن نفسها، أو تستسلم لابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره دونالد ترامب معاً.

أخبار ذات علاقة

اجتماع سابق بين ترامب وقادة أوروبا

واشنطن تعيد تموضعها في أوروبا.. الناتو أمام "اختبار 2027" لتولي الدرع الدفاعية

ويصف كامفنر سلوك ترامب المتقلب تجاه أوكرانيا بدقة مؤلمة: "تارة يتصرف كمبعوث لبوتين، وتارة يستمع بشكل معقول لزيلينسكي، ثم يعود مجدداً إلى معسكر الكرملين". هذا التذبذب ليس مجرد إزعاج دبلوماسي، بل تهديد استراتيجي يهدد بتقويض كل ما بنته أوروبا من دفاعات منذ نهاية الحرب الباردة.

من جهته حذر مركز الإصلاح الأوروبي (CER) في تقرير صادم من أن "الحكومات الأوروبية يجب أن تتوقف عن الأمل في أن الحرب ستُحل بجهد ضئيل منهم". المركز أضاف بصراحة قاسية: "ترامب لا يستطيع الوساطة بنجاح لأنه لا يفهم أن رغبات بوتين واحتياجات أوكرانيا غير متوافقة بشكل أساس".

هذا التشخيص يكشف عن خطأ استراتيجي فادح ارتكبته القيادات الأوروبية: الرهان على أن ترامب سيعود في النهاية إلى "الحظيرة الأطلسية".  

ناتالي توتشي من معهد الشؤون الدولية الإيطالي تحدثت عن هذا الأمر بوضوح في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قائلة: كل مرة وجّه فيها ترامب أو أعضاء إدارته هجوماً على أوروبا، امتص الأوروبيون الضربة بابتسامة قسرية وانحنوا للخلف لمدح البيت الأبيض... لكن في كل مرة وجه فيها ترامب انتباهه الضيق لحرب أوكرانيا، انحاز إلى روسيا".

التحالف الثلاثي

لكن بحسب المجلة، فإن أحد أبرز التطورات الإيجابية، وإن كان متأخراً، هو أن دول E3 (ألمانيا، فرنسا وبريطانيا) بدأت أخيراً تتحرك بشكل موحد. فبعد صدمة بريكست والمشاحنات المريرة بين الألماني أولاف شولتس وإيمانويل ماكرون، تغيرت الأجواء - لأنها اضطرت لذلك. كامفنر يصف هذا التحول بأنه "ضرورة وجودية"، وليس خياراً استراتيجياً.

 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

"لا نملك الحق".. زيلينسكي يتحدى ضغوط واشنطن ويرفض التنازل لروسيا

المستشار الألماني فريدريش ميرتس أعلن في خطاب فوزه في شباط/ فبراير 2025 أن أولويته المطلقة ستكون "تعزيز أوروبا بأسرع ما يمكن حتى نتمكن، خطوة بخطوة، من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة". هذا التصريح، الذي كان سيُعتبر هرطقة قبل عامين، أصبح اليوم سياسة رسمية.

أما وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي ذهب أبعد في مايو 2025، محذراً: "يجب أن نكون مستعدين لأن تغسل الولايات المتحدة يديها ليس فقط من أوكرانيا، بل حتى من أوروبا". هذا ليس مجرد تحذير، بل إعلان عن نهاية حقبة.

"أمريكا لم تعد شريكاً"

الاعتراف الأكثر صدمة جاء من مسؤول أمني ألماني كبير، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لبوليتيكو قائلا: "إذا كان الأمريكيون يتصرفون الآن كوسطاء بين روسيا وأوروبا، فهم لم يعودوا يرون أنفسهم شركاء داخل الناتو". هذه الجملة تلخص أزمة الهوية الوجودية التي يعيشها الحلف الأطلسي اليوم.

لكن الأسوأ من ذلك جاء من مسؤول عسكري ألماني آخر قائلا: "الحقيقة القاسية هي أن مستوى جاهزية أوروبا لمكافحة أي عدوان روسي غير موجود بعد. حتى ذلك الوقت، نحن معتمدون على الولايات المتحدة كدعم احتياطي".

هذه المفارقة المؤلمة والحاجة الماسة للاستقلال والعجز الكامل عن تحقيقه هي جوهر الأزمة الأوروبية، لأن الفاتورة باهظة. معهد "بروغل" للأبحاث الاقتصادية في بروكسل قدم حسابات مرعبة. 

 

أخبار ذات علاقة

هجوم أوكراني سابق على روسيا

خطر المسيرات يغلق الأجواء.. روسيا تعلق العمل في 4 مطارات

ولكي تعمل أوروبا كرادع موثوق من دون دعم الولايات المتحدة، ستحتاج إلى:  1400 دبابة، 2000 مركبة قتالية، 700 قطعة مدفعية، 300 ألف جندي إضافي، وزيادة الإنفاق الدفاعي بنحو 250 مليار يورو سنوياً (3.5% من الناتج المحلي الإجمالي).

وكدليل على ذلك حذر المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في لندن من أن مجرد الدفاع عن أوكرانيا "سيمتص تقريباً كل القوات المسلحة البريطانية المتناقصة". 

وأضاف: "من الصعب رؤية كيف يمكن لأي دفاع أوروبي بحت أن يكون فعالاً دون دعم من القوة الجوية الأمريكية وتكنولوجيا الصواريخ".

فجوة بين الخطاب والفعل

مسؤول دفاع بريطاني، لخص المأزق الأوروبي بجملة واحدة: "نقول إنها وجودية، لكننا لا نتصرف بعد كما لو كانت كذلك". الفجوة بين الخطاب والفعل هي ما قد يكلف أوروبا مستقبلها.

وفي ظل تزايد مخاوفها من تراجع الالتزام الأمريكي بأمن القارة، خصوصاً مع تغيّر أولويات واشنطن نحو آسيا، وتصاعد النزعات الانعزالية داخل الولايات المتحدة، تحاول الدول الأوروبية الكبرى "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا" بناء قدرة دفاعية مستقلة، تشمل رفع الإنفاق العسكري، تعزيز الصناعة العسكرية، وتطوير بنية دفاعية رقمية تقلل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية. 

وبرغم كل هذه التحركات، يجمع المحللون على أن أوروبا لا تزال بعيدة عن الجاهزية الدفاعية المطلوبة، وأن اعتمادها على الولايات المتحدة ما زال كبيراً. لذلك، يواجه القادة الأوروبيون سؤالاً وجودياً: هل سيتحركون بسرعة كافية لبناء منظومة دفاعية مشتركة قبل أن تجد القارة نفسها أمام اختبار أمني حقيقي من دون الغطاء الأمريكي.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC