تُواجه شخصيات بارزة في الإعلام الأمريكي والمؤسسات الأكاديمية تهميشًا أو إسكاتًا متزايدًا، في ظل تنامي القلق من نفوذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والضغوط التي يمارسها على المؤسسات التي توجه إليه انتقادات.
ويبرز ذلك مؤخرًا من خلال مغادرة الكاتب إدواردو بورتر لصحيفة "واشنطن بوست"، وإلغاء برنامج The Late Show with Stephen Colbert من قبل شبكة CBS، بحسب تقرير نشرته صحيفة ”آلغارديان“.
بورتر، الذي يُعد أحد أبرز المنتقدين الحادين والمبدئيين لإدارة ترامب، أعلن هذا الأسبوع عن مغادرته للصحيفة، مشيرًا إلى تغييرات تحريرية جذرية يقودها جيف بيزوس وفريق جديد للرأي.
وفي رسالة داخلية، وصف بورتر هذا التوجه بأنه "دفع لا هوادة فيه نحو الترويج لاقتصادات السوق الحرة والحريات الشخصية"، معتبرًا أن هذه التوجهات مدفوعة بمصالح بيزوس التجارية وخشيته المحتملة من ردود فعل ترامب.
وكتب بورتر: "ليست لدي فكرة إلى أي مدى ينبع هذا التوجه من خوف بيزوس مما يمكن أن يفعله دونالد ترامب بمصالحه التجارية المختلفة، التي تُعد أكثر قيمة له من صحيفة واشنطن بوست“.
أما شركة أمازون، التي أسسها بيزوس، فكانت من أبرز المتبرعين لحفل تنصيب ترامب، وتمتلك خطوط أعمال عديدة معرضة لتنظيمات فيدرالية. وتشير تقارير إلى أن بيزوس تدخّل لمنع الصحيفة من تأييد كامالا هاريس خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وفي تطور متوازٍ، أنهت شبكة CBS برنامج The Late Show with Stephen Colbert في 17 يوليو، أي بعد ثلاثة أيام فقط من انتقاد كولبير للشركة الأم "باراماونت" بسبب توصلها إلى تسوية بقيمة 16 مليون دولار مع ترامب.
وكانت الدعوى القضائية مرتبطة بتحرير روتيني لمقابلة من برنامج ”ستون دقيقة" مع كامالا هاريس، وهو تحرير زعم ترامب أنه منحها ميزة غير عادلة.
وقال كولبير في مقدمته بتاريخ 14 يوليو: "كموظف لطالما كان فخورًا بانتمائه لهذه الشبكة، أشعر بالإهانة. وأعتقد أن لهذا النوع من التسويات المالية المعقدة مع مسؤول حكومي حالي اسمًا فنيًا في الأوساط القانونية: رشوة سمينة“.
وربط كولبير بين التسوية المالية ومساعي "باراماونت" للحصول على موافقة فيدرالية لبيع الشبكة لشركة "سكاي دانس ميديا". وقد منحت لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) الموافقة على الصفقة في 24 يوليو، أي بعد أسبوع من إلغاء برنامج كولبير.
وبحسب تقارير، وافقت "سكاي دانس"، في إطار الصفقة، على إلغاء جميع برامج التنوع والعدالة والشمول في CBS وباراماونت، وإنشاء منصب جديد لمراقب محتوى لتلقي شكاوى التحيز في التغطية الإخبارية، وهي خطوة يعتبرها النقاد محاولة لإسكات الأصوات المنتقدة.
واحتفى ترامب بإلغاء البرنامج، ونشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "أنا أعشق حقًا طرد كولبير“.
وردّ كولبير بعد أيام قليلة، قائلًا لترامب: "اذهب إلى الجحيم"، مازحًا بأن حلمه كان دائمًا أن يحتفي رئيس أمريكي بإلغاء برنامجه.
ويبدو أن الضغوط لتجنب انتقاد ترامب تتجاوز وسائل الإعلام. فوفقًا لتقارير، وافقت جامعات مرموقة، من بينها جامعة كولومبيا، على "التعاون" مع السلطات الفيدرالية بهدف استعادة التمويل البحثي الذي تم تجميده. وشمل هذا التعاون السماح لإدارة ترامب بمراجعة سياسات القبول والتوظيف في الجامعة، وهو ما يراه كثيرون رضوخًا سياسيًا.
تعكس هذه الأحداث نمطًا أوسع، حيث يبدو أن مؤسسات بارزة، من الصحف وشبكات التلفزة إلى الجامعات، تعيد تشكيل سياساتها ومحتواها التحريري لتجنب غضب رئيس أظهر استعداده لاستخدام سلطات الحكومة في الانتقام.
ويرى النقاد أن هذا التطور يمثل نقطة تحول في الديمقراطية الأمريكية، حيث أصبحت الاستقلالية التحريرية والحرية الأكاديمية أكثر عرضة للتآكل تحت وطأة الضغوط السياسية والمصالح التجارية.
وقال روبرت رايش، المعلق السياسي ووزير العمل الأمريكي الأسبق: "العار على أي وسيلة إعلامية أو جامعة تسمح لترامب بإسكاتها. ترامب مستبد خطير. تحتاج أمريكا إلى أصوات مثل إدواردو بورتر، وستيفن كولبير، وكل من أسهم في الإعلام والأوساط الأكاديمية في توعية الأمة بحقيقة مدى خطورة ترامب“.
ومع استمرار تأثير ترامب في تشكيل سلوك المؤسسات، يحذر المراقبون من أن القواعد الديمقراطية والحريات الأساسية في الولايات المتحدة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى.