يتصاعد التوتر الدبلوماسي والعسكري بين روسيا وأوكرانيا، في ظل تباين صارخ بشأن هدنة قصيرة كانت موسكو قد أعلنت عنها في وقت سابق، مدتها ثلاثة أيام، ووصفتها بأنها "بادرة حسن نية" لاختبار مدى جدية كييف في السعي نحو السلام، غير أن رد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جاء حادًا، قاطعًا الطريق على ما وصفه بـ"الألاعيب السياسية" التي يمارسها الكرملين.
وأوضح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن المبادرة الروسية بالهدنة القصيرة ليست تنازلًا بل فرصة عملية لقياس مدى استعداد الطرف الأوكراني للدخول في مفاوضات حقيقية.
وقال بيسكوف، إن بلاده لا تُخادع بشأن الهدنة أو السلام، بل تنتظر من كييف إثبات نواياها بعيدًا عن تأثيرات واشنطن.
من جانبه، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، رفض منذ البداية الاستجابة لهذه الهدنة، معتبرًا إياها محاولة لـ"شراء الوقت" ولسان حاله؛ "لن نلعب ألعاب بوتين، ولا نبحث عن مسكنات بل عن حل جذري يقوم على الانسحاب الكامل للقوات الروسية".
ورغم الهدنة الروسية المعلنة سلفًا، ورفض كييف المستمر، تبقى فرص التهدئة مرهونة بإرادة سياسية حقيقية لم تتبلور بعد، ويبدو أن حلم ترامب بالسلام السريع يواجه اختبارات قاسية، قد تحدد مستقبل الدور الأمريكي في شرق أوروبا.
فرص السلام الأمريكي
ويرى الخبراء أن الموقفين الروسي والأوكراني يعكسان تباينًا جذريًا في الأهداف، حيث تسعى موسكو لإنهاء الحرب، بينما تسعى كييف إلى كسب الوقت، وأن المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، أمام لحظة مفصلية لمنع انزلاق الوضع إلى مواجهة أوسع قد تغير موازين القوى في القارة الأوروبية.
وأوضح الخبراء، أن الهدنة التي أعلنها الكرملين تحمل طابعًا إنسانيًا، لكنها تهدف فعليًا لاختبار قدرة أوكرانيا على ضبط جميع الفصائل المسلحة، خصوصًا غير الخاضعة للجيش النظامي، مثل «آزوف وكراكن».
وأشار الخبراء إلى أن رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للهدنة يُعد مؤشرًا على غياب نية كييف في التوصل إلى حل سلمي، يهدد آمال ترامب في صنع السلام، خاصة في ظل ضغوط داخلية واقتراب الانتخابات.
تشكيلات أوكرانية مسلحة
وقال محمود الأفندي، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي، إن الهدنة التي أعلنها الكرملين تحمل طابعًا إنسانيًا، لكنها في جوهرها تهدف إلى قياس قدرة الجانب الأوكراني على ضبط قواته المسلحة، لا سيما في ظل وجود تشكيلات مسلحة لا تخضع للسلطة المباشرة للجيش النظامي أو للرئيس زيلينسكي.
وأشار المحلل السياسي في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن فصائل مثل "آيدار"و"كراكن" و"آزوف"، المصنفة أمريكيًا كجماعات ذات توجهات نازية جديدة، تمثل هذا التحدي.
وأوضح الأفندي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب إعلانه هدنة عيد الفصح، صرح بتسجيل نحو 4900 خرق للهدنة خلال يوم واحد، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الجيش الأوكراني لم يكن الجهة المسؤولة عن تلك الخروقات، بل الفصائل المسلحة غير النظامية.
ويرى أن هذه المعطيات تُعدّ مؤشراً إيجابيًا نسبيًا، إذ تكشف عن رغبة الجيش النظامي في الالتزام، لكنها في الوقت ذاته تبرز عجز كييف عن فرض السيطرة الكاملة على كل التشكيلات العسكرية.
اختبار أوكراني - الهدنة الروسية
وأكد الأفندي، أن موسكو تنظر إلى هذه الهدنة كفرصة لاختبار مدى جدية أوكرانيا في تنفيذ وقف إطلاق النار، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام كييف.
وأوضح الخبير في الشؤون الروسية، أن الهدنة تتيح فرصة لإعادة ترتيب الصفوف، وصيانة قدراتها القتالية المرهقة، واستعادة الإمدادات العسكرية في مناطق محاصرة مثل باكروفسك، خاصة على الجبهة الشرقية.
وشدد على أن أهداف الطرفين متباينة تمامًا؛ فأوكرانيا تنظر إلى الهدنة كاستراحة مؤقتة لاستمرار القتال، بينما تسعى موسكو لإنهاء الحرب، وهو ما يبرز التناقض الجوهري بين الطرفين.
وأشار إلى أن موسكو تهدف أيضًا لتوجيه رسالة إلى واشنطن مفادها أن كييف غير قادرة على الالتزام بالهدنة أو فرض الانضباط على فصائلها.
مواجهة روسية أوروبية
واستشهد الأفندي بتصريح للرئيس بوتين أفاد بأن المسؤول الأمريكي ستيف ويتكوف نقل إليه أن الأوروبيين ينظرون إلى صراعهم مع روسيا كصراع وجودي، ما يفتح الباب أمام تحول النزاع من أزمة أمريكية روسية إلى مواجهة أوروبية روسية على الأراضي الأوكرانية، وربما أبعد من ذلك.
وتساءل المحلل السياسي، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل دعم أوكرانيا، رغم صعوبة السيطرة على الأرض، أو أنها ستتخلى عنها لتواجه مصيرها أمام روسيا، في وقت لا تملك فيه أوروبا أدوات الدعم الكافية لمواجهة بهذا الحجم.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي المختص في الشؤون الروسية، بسام البني، أن رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لهدنة الكرملين يمثل عائقًا جوهريًا أمام أي مسار تفاوضي جاد، لافتًا إلى أن كييف لا تُظهر نية حقيقية للبحث عن حل سلمي.
الانتخابات الرئاسية الأوكرانية
وأشار البني، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن زيلينسكي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والتي يرى أنها قد تشهد خسارته نتيجة تنامي حالة السخط الشعبي ضده.
وأضاف المختص في الشؤون الروسية، أن بوتين يترك المجال مفتوحًا لاختبار مصداقية الطرف الآخر، مشددًا على أن الجانب الروسي بات يهدف إلى إثبات أن كييف تفتقر للإرادة السياسية اللازمة لإنهاء الحرب.
وحذر البني من إمكانية تصعيد خطير في حال أقدمت أوكرانيا على شن هجوم على موسكو في التاسع من مايو، وهو يوم ذو رمزية خاصة لروسيا، إذ يصادف ذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية.
وقال إن أي تحرك عدائي في هذا اليوم قد يواجه برد حاسم من موسكو، ربما يشمل إسقاط كييف وإنهاء العملية العسكرية بشكل كامل.
وأشار إلى أن المرحلة الراهنة تُعد اختبارًا جديًا لنوايا الطرفين بشأن السلام، محذرًا من أن فشل كييف في إثبات التزامها قد يفتح الباب أمام موجة تصعيد جديدة، تبدد آمال ترامب في صنع السلام والتي تتجاوز حدود أوكرانيا وتعيد رسم موازين القوى في أوروبا.
وحمل بسام البني، المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مسؤولية التحرك لمنع اندلاع مواجهة شاملة.