أكد خبراء في العلاقات الدولية، أن تطور الأحداث بين باكستان وحركة طالبان، التي تُسيطر على أفغانستان بشكل خطير في الوقت الحالي، يشير إلى دور سلبي للولايات المتحدة وربما المخابرات البريطانية، في تأجيج الصراع، في وقت تهتم روسيا والصين باستقرار آسيا الوسطى وعدم وجود توتر بين كابول وإسلام أباد.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا التوتر بين البلدين بمثابة إحياء لخلافات وأزمات تاريخية بين باكستان وأفغانستان، لافتين إلى أن الحل الأنسب يكمن في الحوار المباشر بين البلدين لحل القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية خط "ديورند" الحدودي الافتراضي، الذي يفصل بينهما.
واتهمت الحكومة الأفغانية، مؤخراً، باكستان بشن غارات جوية على أراضيها استهدفت سيارة يستخدمها زعيم حركة طالبان باكستان نور والي محسود، في وقت تقول فيه إسلام أباد إنها تتخذ إجراءات ضد مسلحين.
وقال مسؤولون أمنيون باكستانيون إن 11 جندياً لقوا حتفهم مؤخراً، في اشتباك مع مسلحين في منطقة تيراه القريبة من الحدود الأفغانية، وأن مسلحي حركة طالبان باكستان ينفذون عمليات من داخل أفغانستان، وهو ما تنفيه كابول، التي تؤكد أهمية عدم استخدام أراضي أفغانستان للإرهاب ضد باكستان.
ومن كابول، يؤكد الخبير الاستراتيجي ورئيس مركز أفغانستان للدراسات، الدكتور فضل الهادي وزين، أن هذه ليست المرة الأولى التي توجه إسلام أباد اتهامات لكابول بإيواء حركة "طالبان –باكستان" أو تشن فيها باكستان هجمات جوية على الأراضي الأفغانية، بينما في المقابل ترفض الحكومة الأفغانية هذا الاتهام وتؤكد أن المشكلة الأمنية داخل باكستان شأن داخلي لها، مشيرة إلى أن ما يوجد في أفغانستان هم لاجئون باكستانيون وليسوا مسلحين.
وبين لـ"إرم نيوز"، أن الاتهامات المتبادلة بين البلدين قائمة على رواسب تاريخية وعمل كل بلد بدعم جماعات مسلحة ضد الأخرى، غير أن الهجمات الباكستانية على الأراضي الأفغانية تعد تطوراً جديداً.
وذكر الدكتور وزين أن بعض التحليلات ترى أن إسلام أباد تريد تحميل كابول مسؤولية تدهور الوضع الأمني داخلها، لأنها عاجزة عن السيطرة داخلياً، وبالتالي تسعى إلى التغطية على هذا العجز، في وقت تنشط فيه حركة "طالبان- باكستان" بقوة داخل الأراضي الباكستانية، وهو ما يشكل تحدياً أمنياً متزايداً للحكومة هناك.
وأوضح أن مختلف الفئات السياسية والشعبية للشعب الأفغاني، سواء من داخل حركة طالبان أو من المعارضة والجماعات والأحزاب، أدانت الهجمات الباكستانية على الأراضي الأفغانية واعتبرتها انتهاكاً لسيادة البلاد في ظل هذه الظروف الحساسة.
واعتبر وزين أن الحل الأنسب للخلافات بين باكستان وأفغانستان يكمن في الحوار المباشر بين البلدين لحل القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية خط ديورند الحدودي الافتراضي الذي يفصل بينهما، إذ تدعي كابول أن جزءاً كبيراً من أراضيها سيطر عليه البريطانيون سابقًا وتركوه لاحقاً لباكستان، ولذلك فإن اللجوء إلى الحوار هو السبيل الأجدى بدلاً من استخدام العنف الذي يزيد التوتر بين الجانبين.
بدوره، يقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور سمير أيوب، إن الصراع المتجدد بين باكستان وأفغانستان من وقت إلى آخر لا يرتبط فقط بالنزاعات الحدودية، بل يمكن أن يكون سببه نزاعات قبلية وخلافات بين الجيش الباكستاني وحركة "طالبان – باكستان" التي تقيم على الأراضي الأفغانية وتشن هجمات ضد الجيش الباكستاني.
وأضاف لـ"إم نيوز"، أن السبب الأساسي وراء هذا التوتر، أن هجمات المتطرفين الباكستانيين تحدث بمنطقة الممر التجاري بين الصين وباكستان، إذ يبدو أن الهدف من وراء هذا التصعيد هو الضغط على البلدين لإضعاف هذا المشروع أو عرقلته، لأن وجود هذا الممر بين بكين وإسلام أباد، من شأنه أن يقوّي العلاقات بين الطرفين ويمنح الصين دوراً مهماً في باكستان وربما في أفغانستان أيضاً.
وأوضح الدكتور أيوب أن تحسن العلاقات بين الهند والصين، وبين الأخيرة وباكستان، يمكن أن يسهم في تحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة، غير أن هناك أطرافاً لا ترغب في هذا الاستقرار، فالهجمات التي تشهدها باكستان غالباً ما تقع قرب الممر التجاري الصيني الباكستاني، وهو ما لا يخدم المصالح الأمريكية.
وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد تحدث عن رغبة الولايات المتحدة في استعادة قاعدة "بغرام" الجوية قرب كابول، لكن الحكومة الأفغانية رفضت ذلك وهددت واشنطن بأن هذه الحكومة يمكن أن تجد صعوبات.
ورأى الدكتور أيوب أن تطور الأحداث بشكل خطير في الوقت الحالي قد يشير إلى دور سلبي للولايات المتحدة، وربما المخابرات البريطانية، في تأجيج هذا الصراع، لافتًا إلى أن الصين وروسيا معنيتان بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث يمكن لموسكو وبكين من خلال علاقاتهما الجيدة مع باكستان وأفغانستان المساهمة في احتواء خطورة التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تشكل قلقاً لها.
ومضى الدكتور أيوب قائلًا: إن روسيا تشعر دائماً بالقلق من اهتزاز الأوضاع الأمنية في دول آسيا الوسطى، ولا سيما طاجيكستان التي تمتلك حدوداً طويلة مع أفغانستان، ولهذا فإن الأمن والاستقرار في المنطقة يصبان في مصلحة بكين وموسكو والدول الإقليمية عامة، بينما لا يخدمان المصالح الأمريكية التي تسعى إلى فرض الهيمنة والسيطرة في المنطقة، منبهاً من وجود تلك القلاقل مع رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العودة إلى قاعدة "باغرام" الأفغانية.
وذكر أن الأحداث الجارية على الحدود الباكستانية الأفغانية تعود إلى خلافات قديمة بين البلدين، حيث تدعم إسلام أباد الأحزاب المعتدلة في أفغانستان ولا تؤيد حركة طالبان الأفغانية، لأنها بدورها تدعم "طالبان- باكستان" وتتستر على بعض التنظيمات المتطرفة التي تنفذ تفجيرات، ومع ذلك يبدو أن الغارات الأخيرة التي شنتها إسلام أباد رسائل سياسية موجهة لحكومة طالبان أكثر من كونها ضربات عسكرية واسعة، ومن المرجح أن تبقى الأوضاع تحت السيطرة، خاصة وأن لا مصلحة لروسيا أو الصين، اللتين تربطهما علاقات جيدة بمختلف دول المنطقة، في تصعيد الموقف.