في اليوم السادس من التصعيد العسكري الخطير بين إيران وإسرائيل، تتركز أنظار العالم على المنشآت النووية الإيرانية، التي أصبحت الهدف الأول لغارات الجيش الإسرائيلي.
وبينما تؤكد تل أبيب أنها وجهت ضربات "حاسمة" للبنية التحتية النووية الإيرانية، تحذّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خطر إشعال كارثة نووية على غرار زابوريجيا في أوكرانيا.
فهل نحن أمام تحوّل خطير في موازين الردع الإقليمي؟ وهل تدخل واشنطن، رسميًا، على خط النار؟
وبهذا السياق، اعتبر باحثون سياسيون فرنسيون متخصصون في شؤون الشرق الأوسط بأن هذه الهجمات، رغم طابعها العسكري، تحمل رسائل إستراتيجية تتجاوز الميدان، وتعيد تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة.
وخلال اليوم السادس من الحرب بين إسرائيل وإيران، تتركز الأنظار على حالة المنشآت النووية الإيرانية، التي تعرضت لقصف مكثف خلال الأيام الأخيرة، خاصة مواقع تخصيب اليورانيوم.
ويرى الباحث الفرنسي المتخصص في الشأن الإيراني في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS) في باريس، باتريس دولاكروا، أن "إسرائيل تسعى من خلال هذه الضربات إلى تدمير بنية البرنامج النووي الإيراني، لكن الخطر الحقيقي يكمن في انتقال النشاط النووي الإيراني إلى مواقع سرية، بعيدًا عن أعين المراقبة الدولية".
ورأى دولاكروا أن هذه الهجمات، رغم طابعها العسكري، تحمل رسائل إستراتيجية تتجاوز الميدان، وتعيد تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة.
من جانبه، يحذّر الباحث في معهد مونتان، لوران بيرين، في تصريحات لـ"إرم نيوز" من أن "اغتيال العقول العلمية" قد يمثل تحولًا إستراتيجيًا لا يستهدف البنية فحسب، بل الكفاءات القادرة على إعادة بناء البرنامج النووي.
ويعد استهداف المنشآت النووية الإيرانية الهدف الأول للجيش الإسرائيلي، فحتى ليلة أمس الثلاثاء، أعلنت تل أبيب أنها قصفت مواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
ومنذ يوم الجمعة الماضي، تركزت أعنف الغارات على منشأة نطنز وسط إيران، وهي الموقع الرئيس لتخصيب اليورانيوم في البلاد.
ووفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، فإن "ضربات مباشرة" أصابت ليس فقط الأبنية السطحية، بل امتدت إلى القاعات تحت الأرض، حيث تُدار آلاف أجهزة الطرد المركزي.
وفي مدينة أصفهان، التي لا يتم فيها تخصيب اليورانيوم مباشرة، ولكن يحضر فيها، تم استهداف منشآت حساسة أخرى، إذ تضم المنطقة مختبرًا للكيمياء النووية، ومصنعًا لإنتاج الوقود الخاص بمفاعل طهران للأبحاث.
وتتميز هذه المنشآت بكونها سطحية، ما يجعلها أكثر عرضة للضربات، وقد تعرّض بعضها بالفعل لأضرار مباشرة.
ورأى بيرين أن استهداف المنشآت النووية أمر بالغ الخطورة، موضحًا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذّر من تلك الخطوة، ففي تصريح صدر، يوم أمس الثلاثاء، شبّه المدير العام للوكالة الوضع بالكارثة المحتملة في محطة زابوريجيا في أوكرانيا.
وقال المدير العام للوكالة رافائيل غروسي: "للمرة الثانية خلال 3 سنوات، نشهد صراعًا عنيفًا بين دولتين عضوين في الوكالة.. المنشآت النووية تتعرض لهجمات، والسلامة النووية أصبحت في خطر.. لن نقف مكتوفي الأيدي.. علينا أن نتحرك، وسنفعل، لتفادي كارثة نووية ذات عواقب إشعاعية لا يمكن التنبؤ بها".
وفي تطور لافت، أعلنت قطر أنها تراقب، يوميًا، مستويات الإشعاع في مياه الخليج، تحسبًا لأي تسرب إشعاعي من إيران.
ومن بين المواقع المستهدفة أيضًا، منشأة فوردو، الواقعة على بُعد 200 كيلومتر جنوبي طهران.
وتُعد هذه المنشأة من أكثر المواقع تحصينًا، إذ تقع تحت جبل بعمق 80 مترًا، وتُحاط بعدة طبقات من الخرسانة يصعب اختراقها من دون قنابل خارقة شديدة التخصص، من النوع الذي تملكه الولايات المتحدة.
تمتلك الولايات المتحدة قنابل خارقة تعرف باسم "GBU-57"، تزن أكثر من 13 طنًا، وقادرة على اختراق حتى 60 مترًا من الخرسانة المسلحة، وتُلقى من قاذفات أمريكية مثل "B-2" أو "B-52".
ولفت بيرين إلى أنه حتى اللحظة، لا يوجد تأكيد على ما إذا كانت إسرائيل ستمنح حق استخدام هذا النوع من السلاح، ورغم دعم واشنطن الثابت لتل أبيب، إلا أن انخراطها المباشر في الحرب لا يزال محل نقاش داخلي.
وأرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات USS Nimitz إلى الشرق الأوسط، وكثفت من رحلات المراقبة الجوية.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "نُسيطر بالكامل على المجال الجوي الإيراني"، فيما أشار نائبه جاي دي فانس إلى "إجراءات إضافية" قد تُتخذ.
ووفق الباحث دولاكروا، فإن احتمال التدخل العسكري المباشر لا يزال يثير جدلاً داخل الولايات المتحدة، حتى في أوساط الجمهوريين.
وذكرت شبكة "سي.بي.إس"، مساء الثلاثاء، أن ترامب "لم يعد يستبعد" مشاركة عسكرية أمريكية مباشرة في الحرب.
كما أفاد موقع "أكسيوس" بوجود اتصال ليلي بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن حتى الآن، يكتفي ترامب بالتصريح بأنه يريد "إنهاء حقيقي" للمشروع النووي الإيراني.
وذكرت تقارير إعلامية أن 9 علماء إيرانيين على الأقل، يُعتقد أن لهم صلات بالبرنامج النووي، قد قُتلوا، خلال الأيام الماضية، فيما يبدو أنه تنفيذ لإستراتيجية الاغتيالات الانتقائية لتفكيك البرنامج من الداخل، سواء على مستوى المعدات أو العقول المدبرة.