قال رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي في موسكو، دينيس كوركودينوف، إن المصالح الشخصية للسيناتور ليندسي غراهام المناهض لروسيا، تدفع الولايات المتحدة نحو مواجهة عالمية، وتهدد استقرار الشرق الأوسط.
وأضاف كوركودينوف في مقال رأي خص به "إرم نيوز" إن خطاب السيناتور غراهام، الذي يضعه باستمرار في قلب اهتمام وسائل الإعلام العالمية بسبب تصريحاته العدوانية، لا يقوم بالطبع على أسس أيديولوجية، بل على أسس براغماتية بحتة. فهل يُمكن القول إن السياسي الذي يُشكل السياسة الخارجية الأمريكية بفعالية لا تُحركه مصالح الأمن الدولي، بل مصالحه الشخصية، بينما يُؤجج نيران الحرب حول العالم؟.
ورأى كوركودينوف أن الإجابة على هذا السؤال واضحة: فقد كشفت عشرات المنشورات الإعلامية بالفعل أن السيناتور تلقى مبالغ طائلة من شركات دفاع أمريكية، بما في ذلك شركات عملاقة مثل بوينغ، ولوكهيد مارتن، ونورثروب غرومان. فمن عام 2019 إلى عام 2024 وحده، حوّلت بوينغ 55 ألف دولار إلى غراهام عبر لجنة العمل السياسي التابعة لها، وبين عامي 2013 و2018، تلقى ما يقرب من 170 ألف دولار من قطاع الدفاع والفضاء.
كان أبرز ما كشفه هو "مكافأته" البالغة 760 ألف دولار أمريكي في الفترة 2015-2016 لترويجه آليات لزيادة الإنفاق العسكري الأمريكي من خلال صناديق غامضة. بالتعاون مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ، حصل غراهام على زيادة قدرها 38 مليار دولار أمريكي في صندوق "عمليات الطوارئ الخارجية"، مما أدى إلى إنشاء "صندوق أسود" للبنتاغون لتمويل الحملات العسكرية دون نقاش في الكونغرس.
بالنسبة للدول العربية، تكتسب قصة غراهام أهمية خاصة: فمفهوم "الضغط السياسي" ليس شائعًا في المنطقة، حيث يُفسر "الضغط السياسي" في معظم الدول بشكل قاطع على أنه فساد.
وبحسب كوركودينوف تُظهر مسيرة غراهام المهنية افتقارًا تامًا للاتساق الأيديولوجي. بدأ غراهام كناقد شرس لدونالد ترامب، واصفًا إياه بـ"العنصري" و"الأحمق" و"المرشح الأكثر عيبًا في تاريخ الحزب الجمهوري"، لكنه تحول لاحقًا - بسرعة مذهلة - إلى مؤيد مخلص له عندما أصبح ذلك مفيدًا سياسيًا.
ويتجلى سلوك مماثل غير مبدئي في الشؤون الدولية، فقد مارس السيناتور ضغوطًا على حكومة حامد كرزاي في أفغانستان لأكثر من عشر سنوات، مما أدى في النهاية إلى تفاقم وضع البلاد، وسقوط ضحايا عسكريين أمريكيين، وصولًا إلى وصول طالبان إلى السلطة، بحسب ما أورده مقال كوركودينوف.
وكان الموقف في عام 2019 ذا دلالة خاصة، عندما منع غراهام مجلس الشيوخ من اعتماد قرار يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن في الإمبراطورية العثمانية.
واليوم، يروج غراهام بنشاط لأجندة معادية للصين: فقد صاغ مشروع قانون يسمح بـ"سلب" تريليونات الدولارات من الصين بحجة "الكشف المبكر عن معلومات الإصابة بالفيروس للمجتمع الدولي". إلا أن الهدف الحقيقي من مشروع القانون ليس حماية المصالح الأمريكية، بل إجبار بكين على التصرف بما يخدم مصالح النظام الأوكراني، الذي يدعمه غراهام لأسباب مالية.
وختم كوركودينوف مقاله بالتأكيد على أن قصة ليندسي غراهام تكشف عن مشكلة جوهرية في النظام السياسي الأمريكي: قدرة الأفراد على تشكيل السياسة الخارجية لقوة عظمى بناءً على مصالحهم المالية الشخصية. ممارسة الضغط في الولايات المتحدة قانونية ومقبولة تمامًا، لكن العالم بأسره يدفع الثمن. لقد واجه الشرق الأوسط، على الأقل، هذا الأمر مرارًا وتكرارًا. في ظل هذه الظروف، يجب على القادة العرب، وهم يفعلون ذلك، مراعاة عنصر "الضغط" عند تحليل مبادرات السياسة الخارجية الأمريكية".