يواجه حزب الخضر الألماني تحديًا كبيرًا بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 23 فبراير/شباط الماضي، وهو تراجع يعزوه قادته إلى برنامج انتخابي يُعد ليبراليًا للغاية ومنفصلًا عن هموم الناخبين، مثل التضخم وأزمة الإسكان والحصول على التعليم.
ووفق تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية، شهد حزب الخضر تراجعًا بنسبة 11.6% من الأصوات، ما أزاحه من الحكومة وأعاد وضعه إلى صفوف المعارضة.
ولا يزال حزب الخضر، بعد نحو 9 أشهر من خسارته الانتخابية المدوية، يبحث عن هويته الجديدة، إذ غادره اثنان من أبرز قادته، هما روبرت هابيك، وزير الاقتصاد ونائب المستشار السابق، الذي اعتزل الحياة السياسية، ولينا بيربوك، وزيرة الخارجية السابقة، التي انتقلت إلى نيويورك لتولي رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وترك هذا الفراغ القيادي الحزب في حالة من الانقسام الداخلي حول مساره المستقبلي، وهو ما تجلى خلال مؤتمره في هانوفر في الفترة من 30 نوفمبر إلى 1 ديسمبر، فقد بدا جلياً وجود رؤيتين متعارضتين.
وتمثل الرؤية الأولى توجّهًا يساريًا حادًا يسعى لاستعادة الشباب والناخبين الذين انجذبوا إلى حزب اليسار، فيما تجسّد الثانية نهجًا أكثر واقعية، يركز على المخاطر الاقتصادية التي تواجه الصناعة الألمانية، خاصة في ولاية بادن-فورتمبيرغ، الولاية الوحيدة التي يقودها الحزب، والتي ستشهد انتخابات إقليمية في مارس/آذار المقبل.
ودفع روبرت هابيك، الذي يُمثل تيار "الواقعية" داخل الحزب، ثمن سياسات سابقة أثارت جدلاً واسعًا، مثل قانون استبدال غلايات الغاز لعام 2023، الذي أصبح رمزًا للسياسات البيئية العقابية، إضافة إلى رفض مدخرين لإصلاحات ضريبية كانت ضمن برنامجه الانتخابي.
في المقابل، يسعى الرئيس المشارك الجديد للحزب، فيليكس باناسزاك، إلى إعادة صياغة صورة الحزب بعيدًا عن النخبويّة والوعظ البيئي. وشدد على أهمية أهداف مناخية شاملة تراعي الأسر محدودة الدخل، واستحضر لحظات شخصية لتعزيز شعور المواطنين بالاستقلالية والحرية، مثل تجربته بشراء سيارة صغيرة بمدخراته أثناء دراسته الجامعية.
ويجذب التوجه الفكري الجديد دعمًا من الشبان داخل الحزب، فقد اقترحوا فرض ضرائب على الطائرات الخاصة، وفرض ضرائب على أرباح شركات النفط، إضافة إلى مكافآت للطاقة الشمسية.
ووفق هنرييت هيلد، رئيسة حزب الشباب الجديدة، فإن "أزمة المناخ قضية طبقية"، في إشارة إلى ضرورة دمج البعد الاجتماعي في السياسات البيئية.
وتعبّر بعض القيادات عن مخاوف من الانعطاف نحو اليسار، فجيم أوزدمير، مرشح حزب الخضر لرئاسة ولاية بادن-فورتمبيرغ، دعا إلى التركيز على القضايا الاقتصادية والتعاون مع الصناعة والنقابات.
كما أكد أنه "يجب أن يستمر إنتاج السيارات"، في إشارة إلى أهمية القطاع الصناعي في جنوبي ألمانيا، المعروف باسم "أوتولاند"، موطن شركتي بورش ومرسيدس، مشددًا على موقف الحزب من الأمن وعدم التساهل مع الجريمة.