لم يعد تهديد التنظيمات المسلحة يكتفي بقضم قلب منطقة الساحل الأفريقي، بل إنه ينتشر الآن غربا وجنوبا، ويتسلل إلى المناطق الحدودية معطلا الاقتصادات ويتسبب في إضعاف سلطة الدولة في جميع أنحاء غرب القارة.
وأظهرت خرائط الهجمات أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين - فرع تنظيم القاعدة في الصحراء الكبرى، تسعى إلى عزل عاصمتي البلدين، باماكو وواغادوغو، من خلال تكثيف العمليات على الطرق المحيطة.
ومنذ عام 2019، وسّع التنظيم نطاق هجماته انطلاقا من شمال بوركينا فاسو، وحاصر واغادوغو، وهدّد روابط التواصل مع دول الجوار، وهي ساحل العاج وتوغو ومالي. وفي محيط باماكو، التي كانت لا تزال بمنأى عن الصراع إلى حد كبير قبل أربع سنوات، شُنّ 130 هجومًا على شبكة الطرق هذا العام، أي أكثر بعشرة أضعاف من عام 2021.
وقُتل أكثر من 20 ألف شخص في نيجيريا، أما مالي وبوركينا فاسو فتُمثلان 56% من ضحايا الهجمات في منطقة الساحل، وقد أنهت هاتان الدولتان، اللتان تحكمهما مجالس عسكرية، الوجود العسكري الغربي، وخاصةً الفرنسي، في السنوات الأخيرة.
وفي أوائل يوليو 2025، نفذت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، سبع هجمات منسقة في غرب مالي، قرب الحدود مع السنغال وموريتانيا، تبعها حصار مستمر منذ سبتمبر الماضي بوسط وغربي البلاد، ويحاول الإطاحة بباماكو.
كما تتحمل الجماعات المسلحة إلى حد كبير بالأسلحة المنهوبة خلال الهجمات، مسؤولية ما يقرب من نصف الضحايا البالغ عددهم 76900 شخص منذ عام 2019.
وخلف هذه المساحة الشاسعة، توجد بؤرة عنف ساخنة ثانية في شرق نيجيريا قرب بحيرة تشاد، حيث تنشط جماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة في غرب أفريقيا، وقدّرت تقارير الأمم المتحدة الأخيرة عدد المسلحين بما يتراوح بين 7000 و9000 من تنظيمي القاعدة وداعش، مقابل تقديرات بعدد عناصر تنظيم الدولة بما يتراوح بين 8000 و12000.
في هذه المناطق، التي تُعدّ من أفقر مناطق العالم، تستغل كل جماعة التوترات الاجتماعية والعرقية لتجنيد عناصر على نطاق أوسع، وتستخدم وسائل متنوعة لتمويل نفسها من الاختطاف مقابل الفدية، وسرقة الماشية.
وأرجعت مدير برنامج أفريقيا في معهد إغمونت ببروسكل نينا ويلين لمجلة "لوموند ديبلومتيك"، "تدهور الوضع الأمني إلى سياسات المجالس العسكرية في غرب القارة التي تستخدم الأدوات نفسها لتعزيز سلطتها"، وهو ما يعيق مكافحة جيوب المتطرفين، مشيرة إلى انشغالها بالترهيب والاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري، بل وحتى القتل خارج نطاق القضاء، في أوساط المجتمع المدني، بينما تُكمم الصحافة بالقمع أو النفي القسري.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي شارك في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، إلى أن "العديد من دول الساحل أصبحت الآن مهددة".
وحذر غوتيريش قائلاً: "نواجه خطر تأثير الدومينو المدمر في جميع أنحاء المنطقة"، هذه النكسة ليست عسكرية فحسب، فوفقا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، فتحت الجماعات المسلحة جبهة جديدة بمهاجمة سلسلة التوريد الإقليمية.
بالنسبة للعديد من قادة غرب أفريقيا، يكمن أحد أكثر التغييرات إثارة للقلق في التطور التكتيكي والمادي للجماعات المتطرفة. في مجلس الأمن، لخّص رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، الوضع بصراحة، بدعم من "شبكات إجرامية وأسلحة متطورة"، غالبا ما تكون هذه الجماعات "أفضل تسليحا من القوات الوطنية، وتستغل الحدود غير المحكمة".
ويُثير احتمال ترسيخٍ دائمٍ للتنظيم قلقا بالغا بين عواصم المنطقة، ويُحذّر جوليوس مادا بيو قائلًا: "إذا لم نتحرك بحزم، فقد تُصبح منطقة الساحل ملاذا دائما للجيوب المتطرفة، على بُعد ساعاتٍ فقط من كبرى المدن العالمية".
وتتجاوز هذه الرسالة حدود القارة؛ إذ إن استمرار عدم الاستقرار في منطقة الساحل ستكون له تداعيات أمنية تمتد إلى ما هو أبعد من غرب أفريقيا.