شهدت التهديدات المتبادلة بين واشنطن وكاراكاس فصلاً جديداً انعكست على الأرض في تطور عسكري غير مسبوق، بعد أن نشرت وزارة الدفاع الأمريكية قوات خاصة نخبوية في الكاريبي، بما فيها فوج الطيران الخاص 160 "صيادو الليل".
ووفق تقارير أمريكية، فإن هذا الفوج نقل قوات كوماندوز مثل "القبعات الخضراء" و"حدة النخبة البحرية -Navy SEALs"، التي اشتهرت بدورها في عملية قتل أسامة بن لادن، إضافة إلى مشاركة "قوة دلتا"، الأمر الذي يشي بنية واشنطن لإزاحة رئيس البلاد عن سدة الحكم بشكل أو بآخر، بحسب مراقبين.
ووفق مسؤول أمريكي، فإن مروحيات نقل جنود وأخرى هجومية جزء من هذا التحشيد، قائلاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنها " تتدرب على بعد أقل من 90 ميلاً من فنزويلا".
وعلى المقلب الآخر، وفي تحدٍّ صارخ لأمريكا، نشرت فنزويلا قواتها على شواطئ الكاريبي، وأعلن الرئيس نيكولاس مادورو تعبئة ميليشيا تضم مليون مقاتل للدفاع عن البلاد في تصعيد يأتي ردًا على أكبر تجمع عسكري أمريكي في المنطقة منذ الثمانينيات، في وقت تعمل فيه آلة دعاية مادورو بكامل قوتها.
فعلى التلفزيون الحكومي والراديو ووسائل التواصل، يُحذّر المذيعون الشعب: "أمريكا دولة نازية جشعة تريد سرقة نفطنا" في حين يزعم رئيس البلاد بأن "الجيش الفنزويلي البوليفاري جاهز لصد أي غزو".
وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حالة الطوارئ تحسبًا لأي تهديد أمريكي محتمل، في وقت تشير فيه المعارضة المدعومة من واشنطن إلى خطط للإطاحة بمادورو خلال "أول 100 ساعة" في حال تدخل أمريكي.
واتهم مادورو الولايات المتحدة بالإعداد لـ"عدوان عسكري" ضد فنزويلا التي ستمارس "حقها المشروع في الدفاع عن النفس"، وفق ما نُقل عنه.
وأضاف مادورو، خلال مؤتمر صحافي، أن هناك "عدواناً عسكرياً جارياً، ومن حق فنزويلا بموجب القانون الدولي الرد"، وستمارس "حقها المشروع في الدفاع عن النفس".
صور جديدة كشفت عنها وسائل أمريكية مثل صحيفة "وول ستريت جورنال"، قالت إنها أظهرت ميليشيات من الرجال والنساء، كبار في السن وممتلئي الجسم - يركضون وسط الحواجز، يزحفون تحت أسلاك شائكة، ويطلقون النار من بنادق، في إطار تدريبات عسكرية لمواجهة أقوى جيوش العالم.
الجيش الفنزويلي، الذي يقول الخبراء إنه يضم 125 ألف جندي "على الورق"، أظهر جنودًا يسيرون في صفوف، يركبون آليات مدرعة، وينقلون صناديق ذخيرة، بينما برز وسط هذا المشهد طائرات مقاتلة روسية الصنع وهي تحلق في السماء.
وقال مادورو لمؤيديه، هذا الأسبوع، إن "الشعب جاهز للقتال"، بينما يؤكد مراقبون أن هذا التهديد الجريء يخفي ضعف الجيش الفنزويلي أمام أقوى قوة عسكرية في العالم.
ووفق خبراء، فإن هذا التحشيد الأمريكي لا يكفي لغزو فنزويلا، إلا أنه كفيل بتنفيذ ضربات مستمرة على قوارب تهريب المخدرات إلى أمريكا، أو قصف أهداف داخل فنزويلا، كما توعد وهدد ترامب.
وفي وقت تشتعل فيه المناورات بين البلدين، نقلت واشنطن أسلحة متطورة إلى الكاريبي وشمال فنزويلا، بما في ذلك 8 سفن حربية بحرية، وغواصة هجومية، وطائرات مقاتلة "إف-35 بي"، وطائرات تجسس "بي-8 بوزايدن"، وطائرات مسيرة "إم كيو-9 ريبر".
وأمس الخميس، أرسلت البنتاغون قاذفات "بي-52" قرب جزيرة لا أورشيلا الفنزويلية، حيث تدربت قوات مادورو الشهر الماضي بطائرات وسفن ومركبات برمائية.
وهذه الطائرات تحمل أسلحة ثقيلة، وتجسساً أيضًا. وحتى الآن، نفذت أمريكا 5 ضربات على قوارب مخدرات، قتلت فيها 27 شخصًا.
ويؤكد مراقبون أن هذا بمثابة عرض قوة نادر ضد تهريب المخدرات، في حين قال بعض نواب الكونغرس إنها "إعدامات خارج القانون"، بينما ردت إدارة ترامب بقولها: "هؤلاء مهربو المخدرات إرهابيون ويشكلون خطراً وشيكاً".
وردًا على الضغط الأمريكي، أحاط مادورو نفسه بالعسكريين وأصدر نداءً للتسليح، فوفق تقارير غربية، تعتمد الحكومة على جماعات مسلحة كولومبية تعمل في فنزويلا منذ زمن، مثل "جيش التحرير الوطني" القوي.
ويقول ألبرتو روميرو، وهو ضابط استخبارات كولومبي سابق رفيع إنه يمكن استخدام تلك الجماعات لقمع احتجاجات المعارضة في الشوارع، والسيطرة على مناطق داخلية.
في الشق الاقتصادي، تعيش فنزويلا على حافة الانهار، إذ إن صندوق النقد الدولي يتوقع انكماشًا بنسبة 3% في 2026، وتضخمًا بنسبة 682%، وسط جيش في حالة يرثى لها، بحسب الخبراء.
ويقول إدوارد رودريغيز، وهو عقيد فنزويلي سابق منفي في أمريكا، إن "الجنود العاديين جوعى، ولا توجد إمدادات للوحدات المُنشرة".
يعتقد رودريغيز أن الحكومة تحاول فقط "رفع ستار دخان لإخافة الأمريكيين قليلاً، وكسب الوقت، مضيفاً: "يعرفون أن القضية خاسرة، لكنهم يشترون الوقت.
وهنا تؤكد تقارير محلية في فنزويلا أن جنود البلاد في السواحل كانوا موجودين هناك منذ وقت طويل أي قبل اشتعال الأزمة مع الولايات المتحدة، لكن الجديد، الآن، هو أن معنوياتهم منخفضة فمنذ منذ تولي مادورو السلطة، تدرّب الجيش على قمع الاحتجاجات داخل البلاد، لا على الدفاع في حرب عادية.
ولأول مرة في شوارع فنزويلا، يأمل كثيرون أن التهديدات الأمريكية والعرض العسكري يدفعان مادورو للتنحي، أو يُسقطه أحد من دائرته.
وعلت الأصوات الشعبية، الآن، وهي تقول "نراقب الوضع مع أمريكا منذ شهرين ولم يحدث شيء.. نريد تحسّن الاقتصاد، ونعتقد أن تغيير الحكومة ضروري للقيام بذلك".