ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخاذ قراره بشأن فنزويلا، تبدو الحسابات المرتبطة بأي تحرك عسكري محتمل في البحر الكاريبي بالغة التعقيد.؛ فكل خطوة قد تدفع الولايات المتحدة نحو تقاطعات يصعب تحديد كيفية التعامل معها؛ سواء على مستوى فرض نفوذها في محيطها الإقليمي، أو فتح الباب أمام الصين لتعزيز حضورها العسكري على مقربة من الحدود الأمريكية.
وإلى جانب ذلك، تبرز اعتبارات داخلية حساسة، ستأخذ حيّزا أكبر من الاهتمام في المرحلة المقبلة، تتعلق بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس وما قد يترتب على أي قرار يتعلق بفنزويلا من تداعيات سياسية داخلية.
وأثناء سفره إلى منتجعه في ولاية فلوريدا لقضاء العطلة الأسبوعية، ألمح ترامب إلى أنه اتخذ قرارا بشأن ما سيقوم به حيال فنزويلا، في ظل استمرار واشنطن تصعيدها العسكري، وذلك بعدما عززت انتشارها العسكري في أمريكا اللاتينية ضمن حملة تقول إن هدفها مكافحة تهريب المخدرات، لكنها تثير مخاوف من نزاع واسع النطاق.
ويقول دبلوماسي أمريكي محسوب على الحزب الديمقراطي، إن ترامب يواجه في الفترة الحالية "أوراقا مبعثرة" تتعلق بقراره نحو كراكاس، أهمها المخاوف من أن يقدم للصين من خلال فنزويلا "ورقة مقايضة" مستقبلية تضع الأخيرة مقابل تايوان في حال القيام بعملية عسكرية ضد نظام نيكولاس مادورو، وهو ما يأتي بتمركز عسكري صيني بالبحر الكاريبي على المدى القريب.
وأوضح الدبلوماسي الأمريكي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تحويل فنزويلا لساحة حرب سيجعلها مفتوحة دوليا للدعم التسليحي الصيني وينتج عنه حضور خبراء صينيين بشكل رسمي، وسيعطي التداعيات والمسارات لتواجد فعال متمركز للسلاح الصيني في الكاريبي، وهو ما سيعتبر "منحة" قدمها حينئذ ترامب لبكين.
وأفاد الدبلوماسي الأمريكي أن "هناك خلافات حادة داخل الإدارة الجمهورية حول أي عملية عسكرية محتملة داخل فنزويلا؛ إذ يخشى البعض أن تمنح مثل هذه الخطوة الصين فرصة لمقايضة الدور الأمريكي في تايوان مقابل تقديم دعم عسكري مباشر لكراكاس، بما قد يفضي إلى تمركز السلاح الصيني على أرض ثابتة في الكاريبي، في تطوّر يُعدّ تحولا استراتيجيا يهدد المجال الحيوي للولايات المتحدة".
وأكد الدبلوماسي الأمريكي أن "الأوراق المبعثرة تتمثل أيضا في وجود خلافات بين جمهوريين كبار ومسؤولين في إدارة ترامب، حول أن المضي في القيام بعملية عسكرية تجاه فنزويلا غير معلوم مداها، وسيكون له أثر مباشر في خسارة الجمهوريين للكونغرس في الانتخابات التي أصبح العمل عليها قائما المرحلة الحالية وخلال العام القادم".
وأشار الدبلوماسي الأمريكي إلى أن "الديمقراطيين سيضعون على رأس حملاتهم الدعائية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ما سينتج عن العمل العسكري المباشر في فنزويلا، ويجدون أن الذهاب إلى ذلك سيكون مؤثرا ولصالحهم أمام الناخب الأمريكي".
وبيّن أن "جناحا قويا داخل الصف الأول من القيادات الجمهورية يفضّل الإبقاء على الوضع الحالي، عبر استمرار الحضور العسكري الذي وصل إلى ما يُعرف بـ"الرمح الجنوبي"، إلى جانب مواصلة استهداف عصابات المخدرات، وتقديم هذه التحركات بوصفها جزءا من ترسيخ السيادة الأمريكية في الكاريبي".
ويرى هذا الجناح أن هذا النهج هو الخيار العملي والأكثر فاعلية لحماية البحار الأمريكية من أي تحركات مستقبلية للصين أو روسيا، وفي الوقت ذاته يُعد وسيلةً لخنق نظام مادورو تدريجيا. فمع مرور الوقت، قد يؤدي هذا الضغط المتواصل إلى إحداث اختراقات داخل الدائرة العسكرية المحيطة بمادورو، وربما يضعف قاعدته الشعبية، بما يمهد لتغيير سياسي من الداخل.
وبدوره، يرى الباحث في الشؤون اللاتينية، الدكتور حسان الزين، أن عملية "الرمح الجنوبي" التي أعلن عنها وزير الحرب الأمريكي تعني هجوما وتطهيرا، إضافة إلى الحفاظ على الأمن وفق العقل "البنتاغوني"؛ وهو ما يجعل فهم الخطوات الأمريكية المحتملة أمرا بالغ الأهمية.
وقدم الزين في تصريحات لـ"إرم نيوز"، مجموعة من السيناريوهات المحتملة للأزمة بين واشنطن وكراكاس، في صدارتها الغزو العسكري من جانب الولايات المتحدة على طريقة العراق، رغم أنّ فنزويلا تُعدّ ضعف مساحة بلاد الرافدين وإمكانية هذا السيناريو ممكن، إلا أنّ هناك 3 عقبات كبيرة تعرقل ذلك، أبرزها نقص العدد العسكري؛ إذ لا تتعدّى التجهيزات الأمريكية 10 آلاف جندي وفق بعض الإحصاءات، في حين أنّ غزو العراق تجاوز 100 ألف جندي، بجانب الضغط الشعبي في ظل رفض الناخب الأمريكي الدخول في معارك مشابهة للعراق وفيتنام، وأيضا حسابات الكونغرس وتعقيداتها التي قد تضيّق الخناق على ترامب.
وتحدث الزين أن من بين السيناريوهات، تسليح المعارضة الفنزويلية، من خلال مهام عمل تقوم به المخابرات الأمريكية؛ وهو ما ينعكس في وقت اعتقلت فيه كراكاس بعض الخلايا المضادة، لكن هذا السيناريو سيظل محدودا؛ لأن الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي الواسع لن يأتي ما لم يحظَ بدعم جيوش أمريكا اللاتينية، وخاصة الجيش الفنزويلي المعروف بدعمه للرئيس مادورو.
ويعتقد أن من ضمن السيناريوهات، تكرار المحاولة الأمريكية التي فشلت في 2020 باعتقال مادورو؛ ما يعني حربا جوية واسعة بالإضافة إلى سيناريو "العصا والجزرة"، عبر ضخ الرعب العسكري للتأثير على القرار الفنزويلي سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ولا سيما في ملف النفط والمصافي، مشيرا إلى أن مادورو لا يعارض الدخول في حوار دبلوماسي مع الولايات المتحدة، لكنّ السؤال يبقى: "ما هي الشروط التي سيقبل بها؟".
وتابع أنّ هناك احتمالا لدخول البرازيل على خط الوساطة بين فنزويلا والولايات المتحدة للوصول إلى مصالحات أو حلول مشتركة، إلا أنّ واشنطن تضغط على برازيليا بالعقوبات والرسوم الجمركية؛ ما يجعل نجاح هذا السيناريو غير مؤكد، فضلا عن سيناريو آخر يتمثل في تأديب دول أمريكا اللاتينية لاسيما الحزام "الفنزويلي–الكولومبي–البرازيلي"، مع صعود اليسار الذي يزعج الولايات المتحدة.
واستكمل الزين أنّ الولايات المتحدة تسعى في هذه العملية إلى تحجيم الدور الصيني في أمريكا اللاتينية وتجفيف مصادر النفط التي تسعى بكين لشرائها عبر فنزويلا بأسعار زهيدة، وهو ما يريد ترامب منعه، لافتا إلى أن الضغط الأمريكي يستهدف إما تغيير النظام في فنزويلا أو تغيير سلوك النظام، وهذا جزء من "لعبة الشطرنج" التي يريدها ترامب.
وأشار الزين إلى أنه حال توجيه الولايات المتحدة عملية عسكرية نحو كراكاس، قد يكون الرد الفنزويلي على طريقة "المستنقع الفيتنامي"، أو تكون هناك من جهة أخرى، ردة فعل قوية من الشارع الفنزويلي، قد تتطور إلى حرب أهلية أو تقسيم داخلي.