الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

"اقتصاد تحت الأرض".. كيف تتجاوز موسكو الرقابة للوصول إلى معداتها الحيوية؟

أسطول الظل الروسي المصدر: رويترز

في الظل، بعيدًا عن خطوط التتبع الجمركي وعيون العقوبات الغربية، بنت موسكو خلال الشهور الماضية ما يشبه "اقتصادًا تحت الأرض" يعمل بكفاءة لا تقل عن الاقتصاد الرسمي. 

ولم تعد  روسيا تعتمد على المنافذ التقليدية للوصول إلى التكنولوجيا المحظورة أو المعدات الحيوية، بل أصبحت تمتلك منظومة واسعة ومتشعبة من الموردين والوسطاء والبنوك والشركات الواجهة وأسطولًا بحريًا موازيًا.

وبينما ترفع واشنطن وبروكسل مستوى القيود إلى حد غير مسبوق منذ الحرب الباردة، ردت موسكو ببناء شبكة توريد خفية تتطور بوتيرة أسرع من أدوات الرقابة ذاتها، لتتحول العقوبات إلى اختبار مستمر بين طرفين، الأول يفرض القيود، والثاني يعيد اختراع طرق الالتفاف عليها كل يوم.

فمند منتصف 2024، تحولت الهند إلى ثاني أكبر مورد للتكنولوجيا المقيدة لروسيا، في مسار صاعد تجاوز 60 مليون دولار في شهري أبريل ومايو، ثم قفز إلى 95 مليون دولار خلال شهر يوليو. 

وتشير البيانات إلى أن موسكو اشترت ما يقارب مليار دولار من المكونات الإلكترونية عبر أرصدة تراكمت في البنوك الهندية من صادرات النفط.

وكشفت التقارير الغربية، أن شركة Shreya Life Sciences الهندية سلمت لروسيا أكثر من 1,111 خادم Dell PowerEdge XE9680 مزودًا برقائق Nvidia بقيمة 300 مليون دولار، في واحدة من أكبر عمليات تزويد موسكو بقدرات حوسبة متقدمة.

وفي21 نوفمبر 2024 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 118 فردًا وكيانًا في القطاع المالي الروسي، شملت وللمرة الأولى "غازبروم بنك"، إضافة إلى عشرات البنوك الأخرى. 

كما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيرًا بشأن مخاطر الانضمام إلى نظام الرسائل المالية الروسي SPFS المصمم للالتفاف على نظام سويفت.

وفي 30 أكتوبر 2024، اتخذت واشنطن خطوة أوسع باستهداف 275 كيانًا وفردًا في 17 دولة، من الصين والهند وسويسرا إلى تايلاند وتركيا، باعتبارهم حلقات مركزية في شبكات التهرب الروسية.

أخبار ذات علاقة

ماركو روبيو

روبيو يرسم ملامح التسوية بين روسيا وأوكرانيا


أسطول الظل الروسي 

ورغم قوة العقوبات، أظهرت موسكو قدرة على إعادة تشكيل مسارات التوريد بشكل أسرع مما تتوقعه واشنطن، وكان أبرزها أسطول الظل، وهو أحد أخطر الأدوات الروسية الذي بنته بكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، ويضم أكثر من 1000 ناقلة قديمة، تعمل دون تأمين ودون الالتزام بالمعايير الدولية.

وخلال شهر نوفمبر 2024 وحده، غادرت حوالي 196 ناقلة ظل الموانئ الروسية، رغم أن 85% منها يتجاوز عمرها 15 عامًا، وحتى بعد فرض عقوبات على 156 ناقلة، أكملت 22 منها رحلات جديدة، وهو يؤكد فاعلية شبكة التمويه والتبديل التي تستخدمها موسكو.

وفي نهاية نوفمبر الفائت، استهدفت طائرات أوكرانية من طراز Sea Baby ناقلتين تابعتين لأسطول الظل في البحر الأسود، ما ألحق بهما أضرارًا بالغة.

وفي ذات السياق، تعمل موسكو وبكين على إنشاء منصات تسوية إقليمية RCPs، تكون طرفًا مقابلًا في معاملات السلع المحظورة، أبرزها شبكة A7، التي أطلقها بنك Promsvyazbank في أكتوبر 2024 وحصلت على دعم مباشر من بوتين، فسرعان ما أصبحت قناة رئيسية للمدفوعات العابرة للحدود.

وفي آسيا الوسطى، تلعب كازاخستان وقيرغيزستان دورًا متزايدًا في إعادة تصدير الإلكترونيات والرقائق والأنظمة الدقيقة، عبر شبكة شركات واجهة يتم تأسيسها خصيصًا للالتفاف على القيود.

ورغم كل جهود الولايات المتحدة لملاحقة شبكات الالتفاف، إلا أن موسكو نجحت في الحصول على مدخلات عسكرية حرجة وقطع إلكترونية متطورة وتمويل غير معلن.

 

أخبار ذات علاقة

جنود يرفعون العلم الروسي وسط مدينة بوكروفسك الأوكرانية.

بين قتال شرس ومفاوضات سرية.. روسيا تستخدم بوكروفسك كورقة تفاوض

شبكة توريد متعددة المستويات

ويرى الخبراء أن قدرة موسكو على الاستمرار في الحصول على معداتها الحيوية تعتمد على شبكة توريد خفية متعددة المستويات، تجمع بين شركات واجهة تمارس نشاطًا تجاريًا "بريئًا" ظاهريًا، ودول وسيطة تُعاد عبرها تعبئة السلع أو تصديرها بطرق التفافية إضافة إلى مسارات مالية ولوجستية غير معلنة. 

وأضاف الخبراء أن روسيا تستفيد من دول مثل تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وبيلاروسيا، التي باتت نقاط عبور رئيسية للمكونات الإلكترونية الحساسة والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، فيما تُسهم سياسة "الاستيراد الموازي" وتشريعها الداخلي في تمرير البضائع المحظورة دون الرجوع لمالكي العلامات التجارية.

وأشاروا إلى أن هذه المنظومة، التي تشمل تعديل فواتير الشحن واستخدام طرق تحويل غير رسمية، جعلت العقوبات الغربية أقل قدرة على وقف تدفق التقنيات المتقدمة إلى روسيا، الأمر الذي يفسّر استمرار مجهودها العسكري رغم تشديد الرقابة الدولية.

في البداية، قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن وصول موسكو إلى التكنولوجيا المتقدمة لا يتم عبر مسار واحد، بل من خلال شبكة متعددة الأذرع تتراوح بين التعاون القانوني مع عدد من الدول، واستخدام قنوات لوجستية ومالية غير معلنة تمتد إلى دول ثالثة، إضافة إلى منظومة مشتريات تديرها شركات متخصصة.

وأشار البني لـ"إرم نيوز" إلى أن المواجهة بين تشديد العقوبات من جهة، وأساليب الالتفاف عليها من جهة أخرى، لا تزال العامل الحاسم في قياس مدى فعالية النظام التقييدي المفروض على روسيا.

وأكد البني، أن إحدى أبرز أدوات موسكو في الالتفاف على العقوبات تتمثل في اللجوء إلى الدول الثالثة والواردات الموازية، مبينًا أن العديد من الدول باتت تشكّل نقاط عبور رئيسية للسلع المحظورة. 

أخبار ذات علاقة

جزر كوك

"أعلام للإيجار".. كيف تستغل روسيا وإيران ثغرات جزر كوك للتحايل على العقوبات؟


رقائق دقيقة ومكونات إلكترونية 

ولفت إلى أن تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وبيلاروسيا تحولت إلى مراكز محورية لإعادة تصدير المنتجات الخاضعة للعقوبات، خاصة فيما يتعلق بالرقائق الدقيقة والمكونات الإلكترونية الحساسة. 

وأوضح بسام البني، أن الآلية تقوم على شراء شركات داخل هذه الدول للسلع الممنوع تصديرها مباشرة إلى روسيا، ثم إعادة بيعها لشركاء روس بعقود التفافية، مشيرًا إلى أن موسكو لجأت بعد الحرب إلى تشريع سياسة «الاستيراد الموازي» التي تسمح بدخول البضائع دون موافقة مالكي العلامات التجارية، ما وسّع قدرتها على تجاوز الحصار التقني.

وشدد البني على أن روسيا، رغم العقوبات الدولية المشددة، لا تزال قادرة على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية، بما فيها المستخدمة في الصناعات العسكرية، من خلال منظومة مالية ولوجستية وتجارية معقدة ومتعددة المستويات. 

وأضاف المحلل السياسي أن التطور المستمر لهذه الآليات، وفق ظروف السوق ومتطلبات الشركاء، يجعل العقوبات في كثير من الأحيان غير فعّالة أو غير قادرة على تحقيق أهدافها.

وفي السياق ذاته، أكد كامل حواش، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، أن شبكات التوريد الخفية التي تعتمد عليها روسيا تعمل وفق نمطين رئيسيين، الأول يقوم على شركات واجهة تظهر رسميًا كمستوردين شرعيين دون أن تبدو مرتبطة بروسيا، بينما يعتمد الثاني على التعاون مع دول مثل الصين ودول أخرى توفر لموسكو المعدات والتقنيات المطلوبة. 

وقال في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إن روسيا تعتمد على شبكة توريد متعددة الأطراف لتجاوز العقوبات الصارمة، خاصة تلك المتعلقة بالمكوّنات الإلكترونية والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج.

أخبار ذات علاقة

فيديو

أسطول الظل يحترق.. أوكرانيا تضرب "الشريان السري" للنفط الروسي


التحايل على منظومة العقوبات 

وأوضح حواش، أن العملية تبدأ بتأسيس شركات واجهة في دول لا تنخرط بالكامل في منظومة العقوبات، حيث تُسجل الشركات بأسماء وسطاء محليين وتُظهر نشاطًا مدنيًا في تجارة الإلكترونيات. 

وتابع: "تقوم هذه الشركات بشراء البضائع من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وأحيانًا عبر منصات التجارة الإلكترونية، ثم تعيد تصديرها إلى روسيا عبر دولة وسيطة، لتصل في النهاية إلى المؤسسات العسكرية وشركات التصنيع". 

وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية، إلى أن روسيا تستفيد من عمليات استيراد واسعة عبر آسيا والصين والقوقاز، حيث تُعاد تعبئة المنتجات أو تصنيع بدائل تتجاوز قوائم الحظر. 

وأضاف أن موسكو تستغل ثغرات في أنظمة التتبع الغربية لتفادي رصد المخالفات، إضافة إلى استخدام بنوك ورجال أعمال لطرق تحويل غير رسمية تجعل العقوبات أقل فعالية. 

وأوضح كامل حواش، أن هذه الشبكات تفسر استمرار قدرة روسيا على إدارة مجهودها الحربي بكفاءة، رغم القيود الاقتصادية والعقوبات المفروضة عليها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC