تشهد فرنسا في الآونة الأخيرة سلسلة متصاعدة من الهجمات التي تستهدف المؤسسات العقابية والعاملين فيها، ما أثار قلق السلطات الأمنية التي بدأت في توسيع دائرة الاشتباه لتشمل تيارات متطرفة، وعلى رأسها جماعات من اليسار الراديكالي، وفق صحيفة "لوموند".
وقالت الصحيفة إن آخر هذه الحوادث تمثل في محاولة حرق استهدفت، يوم الثلاثاء الماضي، مقر شركة "سيتينيا" (Citinea) التابعة لمجموعة "فينسي كونستركشن" (Vinci Construction)، الواقعة في منطقة غراندكليمان بمدينة فيلوربان، إحدى ضواحي ليون.
ووفقًا للمصادر، تم احتواء الحريق بسرعة بعد اندلاعه في محيط المبنى، لكن العاملين اكتشفوا بعد ذلك عبارات مشفرة كتبت على الواجهة، أبرزها الاختصار "DDPF" والذي يرمز إلى "دفاعًا عن السجناء الفرنسيين"، وهو شعار ارتبط مؤخرًا بعدة هجمات تخريبية طالت مؤسسات سجنية.
وأكدت الصحيفة أن هذا الحادث يأتي بعد إعلان فوز "سيتينيا" بعقد بناء مركز احتجاز إداري جديد في بلدة لونغفيك (Côte-d'Or) قرب ديجون، بسعة 140 سريرًا.
ومن المقرر افتتاح المركز في أواخر 2026 ضمن السياسة الحكومية الهادفة إلى تشديد إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين.
وأوضحت "لوموند" أنه بعد أقل من 24 ساعة من الحادث، تلقت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) رسالة بريد إلكتروني غير موقعة تزعم المسؤولية عن العملية.
وعلى الرغم من عدم التأكد من صحتها، فإن توقيت إرسالها، قبل تداول الحادث إعلاميًا، يعزز من مصداقيتها.
وتضمنت الرسالة انتقادات لاذعة للشركات التي تشارك في بناء السجون، وتهديدات بشن المزيد من الهجمات على ما وصفه المرسل بـ"أعداء السجناء"، مع تعهد بمواصلة العمليات بشكل غير متوقع "دفاعًا عن حقوق السجناء"، بحسب نص الرسالة.
وفي السياق ذاته، نشر موقع "Rebellyon"، المعروف بمواقفه المعارضة للسلطة، مقالًا مؤيدًا لما يسمى بـ"DDPF"، تضمن اقتباسات من مجموعات على "تيليغرام" وحسابات على "تيك توك" سبق أن تبنت هجمات مشابهة قبل إغلاقها.
وأشار المقال إلى الخلفية التاريخية لليسار المتطرف في ليون ودوره في الدفاع عن قضايا السجناء منذ سبعينيات القرن الماضي.
بدورهم، يرى بعض المراقبين أن خطاب وممارسات هذه المجموعة الجديدة تختلف عن النمط التقليدي لليسار المتطرف.
ويقول أحد النشطاء السابقين: "الحديث عن ’السجناء الفرنسيين‘ أو استخدام أسلحة ثقيلة لا يتماشى مع أدبيات اليسار الراديكالي، لكن تسارع وتيرة الأحداث على منصات التواصل قد يشجع على تحركات مستقلة وفوضوية".
من جهته، دعا برنار بولز، مؤسس منظمة "Prison Insider"، إلى معالجة الأسباب البنيوية للأزمة، قائلًا: "التدهور المتواصل في ظروف الاحتجاز لا يمكن أن يُجابَه فقط بالإجراءات الأمنية... حان وقت الإصغاء لمن يسعون فعليًا إلى إصلاح النظام العقابي".\
وختمت الصحيفة بالقول إن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد هوية الجناة والجهات التي تقف خلف هذا الفعل، وسط ترقب أمني وتحفظ رسمي حول تبني فرضيات بعينها حتى تتضح الحقائق.