مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
تكتسب انتخابات الدانمارك البلدية والإقليمية، التي تجرى اليوم الثلاثاء، أهمية خاصة؛ ذلك أنها تعد اختبارا لشعبية الأحزاب التقليدية الرئيسة في البلاد، فضلا عن أنها تكشف عن خيارات الناخبين قبل نحو عام من الانتخابات التشريعية العامة.
ويتشكل الائتلاف الحاكم الحالي في الدانمارك من ثلاثة أحزاب، هي: الاشتراكيون الديمقراطيون بزعامة رئيسة الحكومة مِته فريدريكسن، وحزب "فينستري" الليبرالي، وحزب المعتدلون.
ويجمع الخبراء على أن هذه الانتخابات، التي من المقرر أن تنتخب 18 مجلسا بلديا وخمس مجالس إقليمية، توازي في أهميتها الانتخابات التشريعية، فهي تمس حياة المواطنين، بشكل مباشر، في مجالات التعليم والصحة والنقل العام والإسكان والتخطيط العمراني والبيئة، فضلا عن الزخم السياسي.
وهذا ما يفسر نسبة المشاركة العالية والتي تتجاوز غالبا الـ70%، وفقا لدورات سابقة، وهو ما يعكس ثقة الناخب بهذه المجالس التي تحدد شكل ونوعية الخدمات في البلاد.
يركز حزب الاشتراكيون الديمقراطيون، وهو من اليسار التقليدي، على دولة الرفاه والخدمات العامة، وحافظت لعقود على رئاسة بلدية العاصمة كوبنهاغن.
وتشير التوقعات إلى احتمال فقدان الحزب لجزء من الدعم، خاصة بسبب الانتقادات التي وجهت لها على خلفية سياسات الهجرة الصارمة التي اتبعتها في السنوات الأخيرة.
وتقول صحيفة "الغارديان"، إن هذا الحزب المكرس قد يخسر السيطرة على بلدية العاصمة للمرة الأولى منذ العام 1938، في ظل استطلاعات تشير الى أن الحزب يواجه تحديات للحفاظ على مكانته.
وفي حين يركز حزب "فينيستري" الليبرالي على تخفيض الضرائب وتعزيز اقتصاد السوق، ومن المتوقع، أن يواجه صعوبات في استعادة شعبيته، خاصة بعد مشاركته في الحكومة مع اليسار، مما سبب إرباكا لقاعدته الانتخابية، فإن حزب "المعتدلون" يقدم نفسه كبديل واقعي يتجاوز الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار، ويكرس سياسات وفية لاسمه.
وتشير التوقعات إلى دعم محدود نسبيا لهذا الحزب قد يكون أقل من الانتخابات السابقة، غير أن وجودهم في الائتلاف الحاكم يمنحهم ثقلا سياسيا قد ينعكس إيجابيا على نتائجه.
وإلى جانب أحزاب الائتلاف الحاكم، تسعى أحزاب أخرى إلى استمالة الناخب، عبر برامج تخاطب احتياجاته واهتماماته اليومية، مثل حزب الاشتراكي الشعبي أو اليسار الأخصر الذي يتوقع أن يحسّن موقعه خصوصا في بلديات المدن؛ بسبب اهتمام الناخبين بقضايا المناخ وجودة الخدمات الاجتماعية.
اليمين المتشدد، بدوره، يخوض الانتخابات عبر حزب الشعب الدانماركي الذي يحقق بعض التعافي السياسي في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل تصاعد الجدل بشأن الهجرة، والتداعيات السلبية لهذا الملف.
ومن المعروف أن خطاب اليمين الأووربي المتشدد مناهض للهجرة، وهو ما سيكسبه أصوات ناخبين يرون في المهاجرين عبئا على الخدمات العامة والبنية التحتية، وسلاسة الإجراءات الإدارية.
على الرغم من أن هذه الانتخابات ذات طابع محلي، فإنها تتجاوز حدود البلاد لتتأثر بعوامل خارجية أبرزها ملف الهجرة وانعكاساتها الاجتماعية، والحرب الأوكرانية وتداعياتها السياسية والأمنية...
وتمثل الهجرة قضية محورية في هذه الانتخابات، فهي لا تتعلق فقط بالسياسات الحكومية الرسمية حيال الملف، بل تمتد إلى تفاصيل واحتياجات الحياة اليومية، كمسألة الاندماج في المجتمع، وكيفية استقبال اللاجئين في البلديات، وتوفير السكن والتعليم والصحة لهم، وغيرها من الأمور الخدمية والإدارية التي عادة ما تتكفل بها البلديات، الأمر الذي سيحدد بوصلة الناخبين في التصويت لهذا الحزب أو ذاك.
وفي سياق الجدل بشأن الهجرة، من المتوقع، بحسب خبراء، أن يحرز اليمين المتشدد تقدما في هذا المجال على حساب أحزاب أخرى تبدي مرونة بشأن ملف الهجرة.
ويتردد، كذلك، صدى الحرب الأوكرانية في هذا الانتخابات، إذ تصاعد القلق الأمني في البلاد بعد نشوب هذه الحرب، وتفاقم في أعقاب حوادث طائرات بدون طيار وأنشطة التجسس والقرصنة السيبرانية التي تعرضت لها الدانمارك.
وكانت تقارير أفادت، أمس الاثنين، أن مواقع إلكترونية لأحزاب سياسية دانماركية استُهدفت بهجوم سيبراني تبنّاه قراصنة موالون لروسيا، وذلك عشية هذه الانتخابات، وهو ما يعزز طابعها السياسي الأبعد، رغم محليتها.
يشار إلى أن كوبنهاغن رفعت ميزانيتها الدفاعية إلى أكثر من الضعف، من حوالي 5.5 مليار دولار أمريكي قبل الحرب الأوكرانية لتصل إلى نحو 12.5 مليار دولار حاليا، وهو ما يعكس المخاوف والتهديدات الأمنية المتصاعدة التي ستعلب كذلك دورا في تحديد خيارات الناخبين.
ويرجح خبراء أن الدعم الدانماركي المقدم لكييف، سيستخدم من قبل بعض الأحزاب، كتعبير عن "القيم الديمقراطية"، مما يؤدي إلى ترسيخ فكرة أن الدانمارك جزء من الغرب الليبرالي الذي يواجه تهديدًا من المعسكر الشرقي الذي تقوده موسكو، في حين ستذهب أحزاب أخرى في "الاتجاه المعاكس"، عبر تصوير الدعم على أنه عبء اقتصادي يؤثر سلبا على معيشة الدانماركيين.
ولا شك، وبحسب مراقبين، أن مثل هذه القضايا والهواجس ستتسلل إلى صناديق الاقتراع وتؤثر على نتائج الانتخابات تبعا لبرنامج كل حزب وتوجهاته السياسية بشأن الحرب الأوكرانية.
من المتوقع أن يُحدث "جيل زد" أو فئة الشباب فارقا واضحا في الانتخابات، وسط تقديرات بأن نسبة مشاركة الشباب قد تكون مرتفعة، إذ تتحدث تقارير عن أن نحو 79%من الشباب من المرجح أن يدلوا بأصواتهم.
ومثل هذا "الاندفاع الشبابي" يمكن أن يرفع رصيد أحزاب "اليسار الأخضر"، إذا جاز الوصف، التي تتبنى أجندات مثل الإسكان والإيجارات، والدعم الاجتماعي وتعزيز مستوى التكنولوجيا والاتصالات وغيرها من الجوانب التي تهم، بصورة خاصة، شريحة الشباب.
ولا بد من التذكير أن النتائج النهائية، وفقا لقانون الانتخابات في البلاد، لا تحدد السيطرة على المجالس البلدية بمجرد عدد المقاعد، بل يعتمد ذلك على قدرة الأحزاب على تشكيل ائتلافات وتحالفات بعد الانتخابات، وهو ما قد يفضي إلى مفاجآت غير متوقعة في بعض البلديات، إذ يمكن لأحزاب هامشية صغيرة أن تلعب دورا حاسما في اختيار "العمدة" وتحديد السياسات المحلية، عبر التحالف مع هذا الحزب أو ذاك.
وبهذا المعنى، يرى خبراء أن السيناريوهات المحتملة تتأرجح بين استقرار نسبي في البلديات الصغيرة وصولا إلى احتمال وقوع زلزال سياسي في بعض المدن الكبرى كالعاصمة كوبنهاغن، وهو ما سيتبين من خلال التحالفات المنتظرة، وقدرة الأحزاب الفائزة بأكبر عدد من الأصوات على كسب الأحزاب ذات الأصوات القليلة.