ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
في مشهد يُعيد رسم خطوط التماس بين الشرق والغرب، أعلنت ليتوانيا عن خطة دفاعية غير مسبوقة تقضي بإنشاء ما يشبه "جدارًا خفيًا" من الألغام والتحصينات على حدودها الشرقية مع روسيا وبيلاروسيا، بميزانية تصل إلى 1.1 مليار يورو.
ومنذ عام 2022، شهدت دول البلطيق تحولًا جذريًا في أولوياتها الدفاعية، تمثّل في رفع موازناتها العسكرية، واستضافة قوات الناتو، وتكثيف إجراءات الحماية على الحدود مع روسيا.
ومع هذا القرار، لن تراهن ليتوانيا على الوقت أو الوساطات الدبلوماسية، بل باتت تتصرف كما لو أن الخطر بات محققًا، وبدأت الحدود تتحول مجددًا إلى خنادق صامتة تنتظر إشارات الحرب.
ووفق بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع الليتوانية، فإن الخطة التي تمتد على مدار 10 سنوات تهدف إلى "صد وإبطاء" أي اختراق عسكري محتمل من جانب ما وصفته بـ"الدول المعادية" في إشارة مباشرة إلى روسيا وبيلاروسيا.
وأكد البيان أن نحو 800 مليون يورو من إجمالي المبلغ المرصود سيُخصص لنشر ألغام مضادة للدبابات، في خطوة تعكس تصاعد القناعة بضرورة خلق حاجز ميداني يربك أي تقدم مفاجئ.
وقالت الوزارة إن عملًا مكثفًا يجري حاليًا لتحديد الشكل النهائي لمنظومة الدفاع الميداني، بما يضمن سلامة خط البلطيق، وأن الهدف ليس فقط حماية الأراضي الليتوانية، بل أيضًا تعزيز قدرة الردع الإقليمي بالتنسيق مع دول الجوار.
وتُعد خطة ليتوانيا جزءًا من مشروع إقليمي أوسع يُعرف بـ"خط دفاع البلطيق"، الذي تسعى دول البلطيق لتأسيسه بالتعاون مع حلف الناتو، ليكون بمنزلة خط صد متكامل أمام أي اختراق روسي محتمل.
ورغم اختلاف القدرات الاقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن ما يجري في ليتوانيا يعبر عن توجه مشترك نحو "عسكرة الوعي الأوروبي" في مواجهة التحديات الروسية.
وبينما بدأت التحركات والتحصينات الأوروبية على أطراف ليتوانيا، تتصدر التساؤلات من قلب القارة العجوز؛ هل هذه نهاية للهشاشة الأمنية الأوروبية، أم بداية لعصر جديد من سباق التسلح على الأراضي القديمة للسلام الهش؟
ليتوانيا والتقارير الاستخباراتية
ويرى الخبراء، أن مخاوف دول البلطيق تتزايد، يومًا تلو الآخر من احتمال امتداد الصراع الروسي الأوكراني إلى أراضيها، في ظل تقارير استخباراتية ترجح أن تكون ليتوانيا الهدف التالي لموسكو.
ويوضح الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن هذه التحركات تعكس قناعة متنامية بأن أوكرانيا باتت غير قادرة على تغيير معادلة الحرب، ما يدفع دول الجوار للاستعداد لمواجهة سيناريو توسع روسي محتمل، خاصة في ظل تغيّر الأولويات الاستراتيجية الأمريكية.
ويشير الخبراء، إلى أن انتصار روسيا في أوكرانيا قد يفتح الباب أمام تمددها نحو أوروبا الشرقية، ما يفسر سعي دول البلطيق إلى الاحتماء بالاتحاد الأوروبي وتعزيز قدراتها الدفاعية.
ويضيف الخبراء، أن أوروبا دخلت فعليًا في سباق تسلح تقوده دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا، بينما تسعى دول محيطة بروسيا، على رأسها ليتوانيا، إلى الاستعداد لأي مواجهة محتملة في ظل غياب حلول دبلوماسية واقعية.
البلطيق في مرمى الخطر الروسي
وأكد كارزان حميد، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأوروبية، أن دول البلطيق "ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا" تعيش هاجس التهديد الروسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، نتيجة شعورها بالعجز أمام القوة العسكرية الروسية الهائلة.
وأضاف حميد، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذه المخاوف تصاعدت مع ورود تقارير استخباراتية تشير إلى أن موسكو قد تضع ليتوانيا ضمن أهدافها التالية بعد كييف، في إطار مسعى روسي لإعادة الجمهوريات السوفيتية السابقة إلى دائرة نفوذها.
وأشار إلى أن ليتوانيا رفعت بشكل ملحوظ من إنفاقها العسكري، حيث بلغ نحو 2.63 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ2.16 مليار دولار في 2023، في حين لم يتجاوز هذا الإنفاق 20.8 مليون دولار عام 1993، وهو الأدنى بين دول البلطيق.
وأوضح أن هذه الزيادة تعكس حجم القلق المتنامي في فيلنيوس، التي أصبحت ترى في خسارة أوكرانيا شبه حتمية نتيجة الاستنزاف المستمر، بينما يتراجع التركيز الأمريكي على أوروبا مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حتى إن كانت مرحلته انتقالية.
تحصينات استراتيجية ومخاوف غربية
وبين المختص في الشؤون الأوروبية، أن ليتوانيا خصصت مليار يورو لتحصين حدودها مع روسيا وبيلاروسيا، ليس فقط لصد الهجمات، بل لإبطاء أي تقدم عسكري، ما قد يمنح الناتو فرصة لتفعيل المادة الخامسة والتدخل للدفاع عنها.
ولفت إلى أن طبيعة الحروب تغيّرت، فلم تعد المواجهات التقليدية فعالة، بل أصبحت تعتمد على الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، ما يجعل استثمار نحو 800 مليار يورو في الألغام الأرضية مثار تساؤل حول جدواه.
وانتقد حميد غياب الرؤية بعيدة المدى لدى الغرب، وتعامله السطحي مع القضايا الدولية، قائلًا إن بعض الدول "تصب الزيت على النار"، في وقت يحتاج العالم إلى صوت العقل والسلام.
وتابع: "لو عدنا إلى السنوات الثلاث الماضية من الحرب، لوجدنا أن أكثر من 40 دولة تدعم أوكرانيا ضد روسيا، لا لمصلحة مباشرة، بل بسبب كراهية شخصية للرئيس الروسي".
التوسع الروسي والصدام المباشر
ورأى كارزان حميد أن بعض الدول، مثل بولندا ودول الجوار، تحاول إبقاء الصراع مشتعلًا لإبقاء روسيا منشغلة في أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى انزلاقها في صراع مباشر مع موسكو.
وقال إن "قرع طبول الحرب بات سائدًا، بينما يغيب صوت المنطق، محذرًا من تحميل كل طرف الآخر مسؤولية اندلاع حرب قد نشهدها بالفعل في السنوات القادمة".
وأشار إلى أن أي خطة روسية محتملة لاجتياح دول البلطيق يجب أن تُدرس جذورها بدلًا من إطلاق التهديدات وتوتير الأجواء السياسية والدبلوماسية.
بوتين والخطأ التاريخي
وأكد حميد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يطرح علنًا فكرة إعادة دول البلطيق إلى السيادة الروسية، رغم وصفه استقلالها بـ"الخطأ التاريخي"، مشددًا على أن معظم التهديدات في هذا الشأن مصدرها الرواية الغربية، كما حدث مع أوكرانيا قبل ضم القرم عام 2014.
واختتم حديثه محذرًا من أن وتيرة التحضيرات العسكرية تشير إلى اقتراب مواجهة شاملة قد تقسّم أوروبا إلى شطرين، مرجحًا أن تندلع هذه الحرب بحلول عام 2030 بين روسيا وحلفائها من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى.
الاتحاد الروسي الجديد
من جانبه، قال إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إن الحرب الروسية الأوكرانية تشكّل تهديدًا وجوديًا لدول أوروبا الشرقية، التي تخشى من عودة روسيا تحت غطاء "الاتحاد الروسي الجديد".
وأشار كابان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن انتصار موسكو في أوكرانيا قد يفتح الباب أمام تمددها نحو أوروبا الشرقية، ما يجعل دول البلطيق أكثر قلقًا، خاصة مع احتمال تقديم تنازلات مستقبلية في أي مفاوضات، على حساب السيادة الأوكرانية.
وأوضح أن هذه الدول لا تملك الإمكانات العسكرية لمواجهة روسيا، لذلك تلجأ إلى التكتل الأوروبي بحثًا عن الدعم السياسي والعسكري، وتسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة "الدب الروسي".
وأضاف مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، أن أوروبا تشهد حاليًا موجة إعادة تسليح، خاصة من الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى ألمانيا التي ضاعفت استثماراتها العسكرية في العامين الأخيرين، فضلًا عن دول مثل السويد، وفنلندا، والنرويج.
ولفت إلى أن دولًا محيطة بروسيا، مثل ليتوانيا ورومانيا، بدأت بدورها بإعادة تسليح جيوشها، مع إدراكها لحجم التهديد الروسي، موضحًا أن ليتوانيا تحتل موقع الصدارة في هذا السباق، بسبب قلقها العميق من النوايا الروسية المستقبلية.