تشهد مالي واحدة من أعنف المواجهات في تاريخها الحديث بين قائد المجلس العسكري الحاكم العقيد أسيمي غويتا، رئيس المرحلة الانتقالية، وزعيم الجماعات المتشددة إياد أغ غالي، قائد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لتنظيم القاعدة.
وبين رفض غويتا لأي حوار، وإصرار أغ غالي على فرض الشريعة بالقوة، يجد الماليون أنفسهم عالقين في حرب شاملة تستنزف الدولة والمجتمع، لاسيما أن المواجهة تجاوزت حدود الميدان العسكري لتتحول إلى حرب اقتصادية وإعلامية كذلك، حيث يستخدم كل طرف أدوات مختلفة لترسيخ سلطته، بحسب مجلة "جون أفريك".
ويسعى غويتا، البالغ من العمر 41 عامًا، منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلابين في 2020 و2021، إلى تقديم نفسه كرجل استعادة السيادة، حيثُ ضخّ أكثر من مليار دولار في ميزانية الدفاع عام 2024، ووسع الجيش بآلاف المجندين، مع تزويده بمدرعات وطائرات مسيرة.
ويعتمد على شراكات جديدة مع روسيا، بدايةً عبر مجموعة "فاغنر"، ولاحقاً عبر "الفيلق الأفريقي"، إلى جانب تحالفه الوثيق مع قادة الانقلابات في بوركينا فاسو والنيجر ضمن "تحالف دول الساحل".
كما نجح إياد أغ غالي، البالغ من العمر 71 عامًا، في توسيع نفوذ جماعته في مناطق عدة من مالي، حتى في الغرب الذي ظل لعقود بعيداً عن النزاع.
وكذلك قاد هجمات نوعية استهدفت معسكر كاتي منذ 2022، قبل أن يضرب قلب العاصمة بهجمات على المطار ومقرات أمنية في 2024.
ويحاول اليوم، فرض حصار على إقليم كاي غرباً لشلّ الاقتصاد وضرب هيبة الدولة، إذ يجمع في أسلوبه بين الدعوة الدينية العلنية والعنف المسلح لإخضاع السكان، مستغلاً هشاشة الدولة والتوترات القبلية، وفق التقرير.
وبحسب "جون أفريك"، يبرع متشددو أغ غالي في استخدام الإعلام، حيث يبثون تسجيلات مرئية عالية الجودة لهجماتهم على منصات مثل "فيسبوك" و"واتس آب" و"تليغرام"، في محاولة لإثبات سيطرتهم الميدانية.
وتمنحهم هذه الحرب الدعائية زخماً، رغم أن غالبية الشعب ترفض خطابهم المتشدد وأعمالهم العنيفة ضد المدنيين.
رغم كل ذلك، يواجه الطرفان تحديات خطيرة. فغويتا، الذي راهن على الحسم السريع بعد طرد القوات الفرنسية والأممية وقطع علاقاته مع الجزائر، فتح عدة جبهات في وقت واحد مما يزيد من عزلته.
أما أغ غالي، فرغم مرونته التاريخية، يبقى مطارَداً بالضربات الجوية، ويعاني من توترات داخلية مع حلفاء مثل أمادو كوفا.
وأوضح التقرير أنه "بين مشروع عسكري يسعى لفرض السيطرة بالقوة، ومشروع جهادي يريد استبدال الجمهورية بالشريعة، يبقى الشعب المالي الضحية الكبرى، وبعد أكثر من عقد من الصراع الدموي، لا يلوح في الأفق حلّ قريب ينهي مأساة هذا البلد الغارق في الحرب".