قبل ساعات من لقائهما المرتقب، تتشابك حسابات النصر، لما قبل وما بعد قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، بعد 10 أشهر ساخنة في التصعيد الاقتصادي والسياسي، وسط رسائل عسكرية معلنة.
ورغم التحذيرات من أن الصين قد تكون الفائز الاستراتيجي طويل الأمد، إلا أن آراء أخرى تُبرز بوضوح أن ترامب يدخل هذا اللقاء من موقع القوة، محققاً انتصارات ملموسة في الجولة الآسيوية الحالية، وأهدافاً اقتصادية وسياسية تعزز مكانة أمريكا كقائد عالمي.
وفي وقت مبكر من صباح يوم الخميس، يلتقي ترامب وشي في كوريا الجنوبية على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في قمة ستكون حدثاً محورياً يُعيد تشكيل التوازن الاقتصادي العالمي، بحسب مراقبين وخبراء.
بدأت جولة ترامب الآسيوية في ماليزيا يوم 25 أكتوبر، حيث حقق اختراقاً تجارياً سريعاً، مع إعلان الولايات المتحدة والصين بالتقدم في المحادثات التجارية والتي أسفرت عن "إطار اتفاق" يؤجل قيود الصين على تصدير المعادن النادرة، ويفتح أبواباً لشراء صويا أمريكية بكميات هائلة، مما يُنقذ مزارعي الغرب الأوسط من الانهيار الاقتصادي.
وبادرت شبكة "سي إن إن" إلى وصف الاتفاق المبدئي بأنه "نصر سريع لترامب"، يُعيد إلى الولايات المتحدة مليارات الدولارات، ويُضعف الورقة الصينية الرئيسة في حرب الرقائق الإلكترونية.
كما ذهب ترامب نفسه لتأكيد "النصر" في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية قائلا: "سنعود بتريليونات الدولارات إلى أمريكا"، مشيراً إلى أن اللقاء مع شي سيكون "رائعاً لكليهما، لكنه أفضل لنا".
في اليابان، استمر ترامب في بناء انتصاراته، إذ أقنع ترامب رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي بخفض الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية المُصدَّرة إلى أمريكا من 24% إلى 15%، مقابل صفقات في مجال المعادن النادرة مع أستراليا وتايلاند.
وهذا الإنجاز، الذي وصفته "نيويورك تايمز" بأنه "استراتيجية ترامب للانتصار السريع في آسيا"، يُعزز التحالف الأمريكي-الياباني، ويُحاصر الصين اقتصادياً من الشرق، مشيرة إلى أن الضغط على كوريا الشمالية باختبار صاروخي لم يُعكِّر صفو خططه، بل عزز موقفه كقائد قوي يُحل المشكلات العالمية.
وفي كوريا الجنوبية أكمل ترامب سلسلة صور الانتصارات، فأعلن من سيول عن صفقة تجارية تاريخية مع الرئيس الكوري لي جاي ميونغ، تفتح أسواقاً جديدة للمنتجات الزراعية الأمريكية في كمبوديا وفيتنام، وهو إنجاز سيُعزز من صادرات الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، ويُظهر ترامب كمفاوض ماهر يُحوِّل الجولة الآسيوية إلى "عصر ذهبي لأمريكا"، كما وصفته متحدثة باسم البيت الأبيض.
واعتبر تقرير لـ "سي بي إس" أن ترامب يدخل اللقاء مع شي "بقائمة انتصارات تُثبِّت قوة أمريكا"، مشيرة إلى أن التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية "مُعدل فعلياً"، مما يجبر بكين على التراجع.
أما وكالة "بلومبرغ" فاعتبرت أن ترامب من خلال صفقاته في ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية، أعاد رسم الخريطة التجارية الآسيوية لصالح أمريكا، مُجبراً الصين على التفاوض من موقع دفاعي.
وقالت إن "ترامب يدخل كفائز، ويخرج بمزيد من الفوز"، معتبرة أن هذا اللقاء ليس مجرد محادثة، بل تأكيد على أن سياسة "أمريكا أولاً" تعمل، مُعيدة الثقة إلى الاقتصاد العالمي تحت قيادة واشنطن.
في تحليل لصحيفة "واشنطن بوست" ترى أن "شي" ستكون له اليد العليا خلال القمة المرتقبة مع ترامب، معتبرة أن "الفوضى" التي أحدثتها إدارته على مدى 10 أشهر منحت الزعيم الصيني فرصة لتقديم نفسه إلى الشركاء العالميين الذين يسعون إلى الاستقرار.
ورغم كل الصفقات المليارية، والإطار "الإيجابي" مع الصين، إلا أن "واشنطن بوست"، لا تعتقد أن ترامب يتمتع بالأفضلية في المواجهة الحالية.
وترى أن "الصفقة المعروضة" لا تشير إلا إلى عودة الوضع الراهن إلى ما كان عليه منذ عودة ترامب إلى منصبه في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتُعدّ بمثابة إثبات على نهج الصين الصارم في مواجهة أساليب إدارة الرئيس الأمريكي القسرية.
ورغم جميع المبادرات التي اتخذتها الولايات المتحدة لدعم سلاسل توريد المعادن الحيوية ، فإن سيطرة الصين الخانقة على تعدين ومعالجة معظم المعادن النادرة الضرورية للتقنيات الحديثة لن تنتهي قريبًا، ولن تتوقف بكين عن استخدام هيمنتها في هذا القطاع كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة.
كما تذهب الصحيفة الأمريكية إلى أن هناك أسبابا أخرى قد تجعل شي يشعر بالثقة، فقد أثارت حروب ترامب التجارية قلق حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وأدت إلى خلافات بين واشنطن وبعض القوى الناشئة في الجنوب العالمي، بما في ذلك البرازيل والهند.
وتدرس حكومات الدول الأوروبية وكندا كيفية حماية نفسها بشكل أفضل من تجاوزات ترامب ونزواته، الأمر الذي قد يعني حتمًا إيجاد تسويات جديدة مع الصين، وفق الصحيفة.
كما تعتقد "واشنطن بوست" أن ترامب، الذي طالما دافع عن قدرته على عقد صفقات ثنائية مع الخصوم على حساب أهمية تنسيق السياسات مع مجموعة من الحلفاء، مكّن بكين من تصوير نفسها على أنها "الطرف المسؤول في السياسة العالمية في مواجهة المتنمّر الأمريكي المزعزع للاستقرار".
وتقدّم الصين نفسها لدول آسيا وأفريقيا كشريك سخي، حريصة على صياغة اتفاقيات تجارة حرة جديدة واتفاقيات إعفاء جمركي، ووفق وصف "واشنطن بوست" فإن بكين "قد لا تفوز بالجدال، لكنها تكسب اللعبة".