كشف تقرير حديث أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي ليست مجرد قمة دبلوماسية عابرة، بل اختبار حقيقي لاستراتيجية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في إدارة العلاقات مع القوى الكبرى، وسط سباق نفوذ محتدم بين موسكو وواشنطن.
فبينما يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا على الهند لتقليص وارداتها من النفط الروسي، تستغل نيودلهي الفرصة لاستعراض قدرتها على الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي والدبلوماسي.
وبحسب "تي في بي وورلد" البولندي، فإن استضافة بوتين، بالنسبة لمودي، تأتي في توقيت حساس، بعد فشل محادثات السلام في موسكو؛ ما يمنح الهند هامشًا للتحرك ضمن سياسة "تعدد المحاور"، وهو تحدٍّ محسوب يذكّر واشنطن بأن الهند لن تسمح لتفضيلات أو أولويات الولايات المتحدة بتحديد جدول أعمالها الدبلوماسي.
وفي السياق، أكدت وزيرة الخارجية الهندية السابقة نيروباما راو في مقابلةٍ حديثةٍ مع "تي في بي وورلد"، أن بلادها ترفض قبول عالمٍ ثنائيٍّ يُجبرها على الاختيار بين واشنطن وموسكو، مضيفةً أن نيودلهي "لا تنظر إلى الأمور من منظور ثنائيات، ولا تُفكّر فيها"، بل تسعى إلى الصمود من خلال "تحالفاتٍ قائمة على القضايا".
ويرى الخبراء أن نيودلهي بينما تسعى إلى تحقيق التوازن بين تأمين دفاعاتها ومواردها الحيوية، خصوصًا مع اعتماد أسطولها العسكري على المعدات الروسية مثل مقاتلات "سوخوي" ودبابات "تي-90" ومنظومات "إس-400"، فإنها في الوقت نفسه تحافظ على علاقاتٍ استراتيجية مع الولايات المتحدة التي تُعد شريكًا اقتصاديًا وتقنيًا رئيسيًا.
وتشير التقارير إلى أن الهند ستستغل زيارة بوتن لمواصلة شراء طائرات مقاتلات من طراز "سو-57" من روسيا من الجيل الخامس، إلى جانب أنظمة دفاع صاروخي متقدمة.
كما أن زيارة بوتين جاءت في سياق الحاجة إلى معالجة فجوة تجارية ضخمة مع روسيا؛ فالهند تستورد نحو 69 مليار دولار من السلع الروسية، بينما تصدر إليها نحو 5 مليارات دولار فقط؛ ما يخلق عجزًا كبيرًا تريد نيودلهي تداركه من خلال بيع منتجات هندية مثل الأدوية والسيارات والآلات الصناعية، بالإضافة إلى توسيع التعاون في قطاع الطاقة النووية والمفاعلات الصغيرة.
من جهة أخرى، يسعى بوتين من خلال هذه الزيارة إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين، وجعل الهند شريكًا اقتصاديًا قويًا ومستقلًا؛ ما يمنحه هامشًا أكبر في مواجهة الضغوط الغربية.
ويعتقد مراقبون أن هذا التوازن الدقيق يعكس قدرة نيودلهي على ممارسة ما يُعرف بـ"دبلوماسية الكفّ المزدوج"، حيث توظف الهند الضغوط الأمريكية لتعزيز قيمتها الاستراتيجية، وتستفيد من العلاقة مع روسيا لضمان أمنها العسكري واستقرار مواردها الحيوية.
وفي النهاية، ينظر المحللون لزيارة بوتين إلى نيودلهي باعتبار أنها ليست مجرد لقاء بين رئيسَين، بل رسالة سياسية للعالم مفادها أن الهند لن تُجبَر على الاختيار بين موسكو وواشنطن، وستواصل صياغة سياستها الخارجية وفق مصالحها الوطنية، مؤمنةً بمكانتها كقوة ذات استقلالية استراتيجية في عالم يُطالبها بالاصطفاف.